وَلَكِنَّ الْعُمْدَةَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ إِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أبَان؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؟ قَالَ: تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَاهُ، وَطَرَفُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَنْ يَمِينِهِ جَوَادّ، وَعَنْ يَسَارِهِ جَوَادّ، وَثَمَّ رِجَالٌ يَدْعُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ. فَمَنْ أَخَذَ فِي تِلْكَ الْجَوَادِّ انْتَهَتْ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَمِنْ أَخَذَ عَلَى الصِّرَاطِ انْتَهَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الْآيَةَ (١).
وَقَالَ ابْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا آدم، حدثنا إسماعيل ابن عَيَّاش، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَقَالَ [لَهُ] (٢) ابْنُ مَسْعُودٍ: تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَاهُ، وَطَرَفُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سمْعان نَحْوُهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّار أَبُو الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا لَيْث -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ -عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْر بْنِ نُفَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِراطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَنْ جَنْبتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا (٣) النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا (٤) وَدَاعٍ يَدْعُو مَنْ جَوْفِ (٥) الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ. لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ (٦) عَلِيِّ بْنِ حُجْر -زَادَ النَّسَائِيُّ -وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ بَحير بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنْ جُبَير بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعان، بِهِ (٧). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ] ﴾ (٨) إِنَّمَا وَحَّدَ [سُبْحَانَهُ] (٩) سَبيله لِأَنَّ (١٠) الْحَقَّ وَاحِدٌ؛ وَلِهَذَا جَمَعَ لِتَفَرُّقِهَا وَتَشَعُّبِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٧].

(١) تفسير الطبري (١٢/٢٣٠).
(٢) زيادة من م.
(٣) في د، م: "يأيها".
(٤) في د: "ولا تفرقوا"، وفي م، أ: "ولا تفرجوا".
(٥) في أ: "من فوق".
(٦) في أ: "من حديث".
(٧) المسند (٢/١٨٢) وسنن الترمذي برقم (٢٨٥٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٢٣٣).
(٨) زيادة من أ.
(٩) زيادة من م.
(١٠) في أ: "لأنه".


الصفحة التالية
Icon