وَمَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي طَوَائِفِ الْمُشْرِكِينَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بْنُ مَرْدُويه، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا؛ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ (١) فِي الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ. وَلَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ (٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ، يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَلَا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ، وَمِنْ أَفْضَلِ الثِّيَابِ (٣) الْبَيَاضُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خير ثيابكم، وكَفِّنوا فيها موتاكم، وإن خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الإثْمِد، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ".
هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، رِجَالُهُ (٤) عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيم، بِهِ (٥) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَأَهْلِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدَب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِالثِّيَابِ الْبَيَاضِ فَالْبَسُوهَا؛ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" (٦)
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ (٧) صَحِيحٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اشْتَرَى رِدَاءً بِأَلْفٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] ﴾ (٨) الْآيَةَ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ: سرَف ومَخِيلة.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْر، عَنْ مَعْمَر، عَنِ
ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، مَا لَمْ يَكُنْ سرَفًا أو مَخِيلة. إسناده
(٢) ورواه العقيلي في الضعفاء الكبير (٣/١٤٣) من طريق عباد بن جويرية، عن الأوزاعي، عن قتادة به. وعباد بن جويرية قال فيه الإمام أحمد: "كذاب أفاك".
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (١٤/٢٨٧) من طريق يعقوب، الدعاء عن يحيى بن عبد الله الدمشقي، عن الأوزاعي به.
ويعقوب وشيخه لا يعرفان.
(٣) في د، ك، م، أ: "اللباس".
(٤) في م: "رجاله كلهم ثقات".
(٥) المسند (١/٢٤٧) وسنن أبي داود برقم (٤٠٦١) وسنن الترمذي برقم (٩٤٤) وسنن ابن ماجة برقم (١٤٧٢).
(٦) المسند (٥/٧) وسنن النسائي (٨/٢٠٥).
(٧) في م: "بإسناد".
(٨) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".