وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى"، عَنْ مُنَبِّهِ بْنِ عُثْمَانَ (١) عَنْ عُرْوَة بْنِ رُوَيْم، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ؛ أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَهُمْ ثَوَابٌ وَعَلَيْهِمْ عِقَابٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ثَوَابِهِمْ (٢) فَقَالَ: "عَلَى الْأَعْرَافِ، وَلَيْسُوا فِي الْجَنَّةِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلْنَاهُ: وَمَا الْأَعْرَافُ؟ فَقَالَ: "حَائِطُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِيهَا الْأَنْهَارُ، وَتَنْبُتُ فِيهِ الْأَشْجَارُ وَالثِّمَارُ".
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ بِشْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى، بِهِ (٣)
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خُصَيف، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلز فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾ قَالَ: هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، قَالَ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا﴾ فِي النَّارِ ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ قَالَ: فَهَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾.
وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ: وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، بِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَكَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ عُلَمَاءُ فُقَهَاءُ (٤) فِيهِ غَرَابَةٌ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِمُ اثْنَيْ عَشْرَ قَوْلًا مِنْهَا: أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ صُلَحَاءُ تَفَرَّعُوا مِنْ فَرْعِ الْآخِرَةِ، دَخَلُوا (٥) يَطَّلِعُونَ عَلَى أَخْبَارِ النَّاسِ. وَقِيلَ: هُمْ أَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: مَلَائِكَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس قال: يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. وَكَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ، عَنْهُ.
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٦) أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلِيَعْرِفُوا أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَيَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ، لَمْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
(٢) في النسخ: "عن ثوابهم وعن مؤمنيهم" والمثبت من الدر المنثور ٣/٨٨. مستفاد من هامش ط الشعب.
(٣) تاريخ دمشق (١٧/٩١٠) "القسم المخطوط" والبعث للبيهقي برقم (١١٧) ورجاله ثقات.
(٤) في ك، م، أ: "فقهاء علماء".
(٥) في م: "وجعلوا"، وفي أ: "وخلق".
(٦) في ك، م: "عن ابن عباس قال".