الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا، فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَقُولُ: رَبِّ، مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا لَقِيتُهُمْ (١) وَقَدْ أَهْلَكْتَ خِيَارَهُمْ؟ ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَبْعِينَ رَجُلًا الخيّرَ فَالْخَيِّرَ، وَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى اللَّهِ فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ، وسَلُوه التَّوْبَةَ عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ، صُومُوا وتطهَّروا، وطهِّروا ثِيَابَكُمْ. فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُور سَيْناء، لِمِيقَاتٍ وقَّته لَهُ رَبُّهُ، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْمٍ -فَقَالَ لَهُ السَّبْعُونَ -فِيمَا ذُكِرَ لِي -حِينَ صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَخَرَجُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، [فَقَالُوا] (٢) لِمُوسَى: اطْلُبْ لَنَا نَسْمَعْ كَلَامَ رَبِّنَا. فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ، وَقَعَ عَلَيْهِ عمودُ الْغَمَامُ، حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ. وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوا. وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ (٣) اللَّهُ وَقَعَ عَلَى جَبْهَةِ مُوسَى نُورٌ سَاطِعٌ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَضُرِبَ دُونَهُ بِالْحِجَابِ. وَدَنَا الْقَوْمُ، حَتَّى إِذَا دَخَلُوا وَقَعُوا سُجُودا (٤) فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى، يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ: افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ. فَلَمَّا فَرَغَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ، انْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَامُ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لِمُوسَى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ -وَهِيَ الصَّاعِقَةُ -فافتُلتَت (٥) أَرْوَاحُهُمْ، فَمَاتُوا جَمِيعًا. فَقَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ قَدْ سَفِهُوا، أَفَنُهْلِكُ مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ السَّلُولي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ وَشَبَّرُ وَشَبِيرُ، فَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْحِ جَبَل، فَنَامَ (٦) هَارُونُ عَلَى سَرِيرٍ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا لَهُ: أَيْنَ هَارُونُ؟ قَالَ: تَوَفَّاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالُوا [لَهُ] (٧) أَنْتَ قَتَلْتَهُ، حَسَدتنا عَلَى خُلقه وَلِينِهِ -أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا -قَالَ: فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ. قَالَ: فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا﴾ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ قَالُوا: يَا هَارُونُ، مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: مَا قَتَلَنِي أَحَدٌ، وَلَكِنْ تَوَفَّانِي اللَّهُ. قَالُوا: يَا مُوسَى، لَنْ تُعْصَى بَعْدَ الْيَوْمِ. قَالَ: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. قَالَ: فَجَعَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يُرْجِعُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَالَ: يَا ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ قَالَ: فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ.
هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَعِمَارَةُ بْنُ عَبْدٍ (٨) هَذَا لَا أَعْرِفُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ (٩)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْج: إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا قَوْمَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، وَلَا نَهْوَهُمْ، وَيَتَوَجَّهُ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِ موسى: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾

(١) في أ: "أتيتهم".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ك: "كلم".
(٤) في أ: "سجدا".
(٥) في أ: "فالتقت".
(٦) في أ: "فقام".
(٧) زيادة من ك.
(٨) في ك: "عبيد".
(٩) تفسير الطبري (١٣/١٤٢) وفي إسناده عمارة بن عبد السلولي. قال الذهبي في ميزان الاعتدال: "عمارة بن عبد، عن علي، مجهول لا يحتج به. قاله أبو حاتم. وقال أحمد: مستقيم الحديث لا يروى عنه غير أبي إسحاق".


الصفحة التالية
Icon