لِقَوْمِهِ (١) دَعَا أَنْ يَفْتَحَ لِمُوسَى وَجَيْشِهِ -أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ (٢) مَا نَرَاكَ تَدْعُو إِلَّا عَلَيْنَا. قَالَ: مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِي إِلَّا هَكَذَا، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا اسْتُجِيبَ لِي، وَلَكِنْ سَأَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُهُمْ. إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الزِّنَا، وَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَعُوا بِالزِّنَا هَلَكُوا، وَرَجَوْتُ أَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ، فَأَخْرِجُوا النِّسَاءَ يَسْتقبلنهم (٣) ؛ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ مُسَافِرُونَ، فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلَكُوا. قَالَ: فَفَعَلُوا. قَالَ: فَأَخْرَجُوا النِّسَاءَ يَسْتَقْبِلْنَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنَةٌ، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِهَا مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ! قَالَ: فَقَالَ أَبُوهَا -أَوْ بَلْعَامُ-: لَا تُمَكِّنِي نَفْسَكِ إِلَّا مِنْ مُوسَى! قَالَ: وَوَقَعُوا فِي الزِّنَا. قَالَ: وَأَتَاهَا رَأْسُ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِمُمَكِّنَةِ نَفْسِي إِلَّا مِنْ مُوسَى. قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلَتِي (٤) كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ مِنْ حَالِي كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا تَسْتَأْمِرُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا: فَأَمْكِنِيهِ قَالَ: وَيَأْتِيهِمَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ فَيَطْعَنُهُمَا. قَالَ: وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ. فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا، وَرَفَعَهُمَا عَلَى رُمْحِهِ (٥) فَرَآهُمَا النَّاسُ -أَوْ كَمَا حدَّث -قَالَ: وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطَّاعُونَ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا.
قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: فَحَدَّثَنِي سَيَّار: أَنَّ بلعامًا رَكِبَ حَمَّارَةً لَهُ حَتَّى (٦) أَتَى الْعَلُولَى (٧) -أَوْ قَالَ: طَرِيقًا مِنَ الْعَلُولَى (٨) -جَعَلَ يَضْرِبُهَا وَلَا تُقْدم، وَقَامَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: عَلَامَ تَضْرِبُنِي؟ أَمَا تَرَى هَذَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَإِذَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَنَزَلَ وَسَجَدَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِهَذَا سَيَّارٌ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ.
قُلْتُ: هُوَ بَلْعَامُ -وَيُقَالُ: بُلْعُمُ -بْنُ بَاعُورَاءَ، ابْنُ أَبَرَ. وَيُقَالُ: ابْنُ بَاعُورَ بْنِ شُهُومَ (٩) بن قوشتم ابن مَابَ بْنِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ -وَيُقَالُ: ابْنُ حَرَانَ -بْنِ آزَرَ. وَكَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، فَانْسَلَخَ مِنْ دِينِهِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ. ثُمَّ أَوْرَدَ (١٠) مِنْ قِصَّتِهِ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرْنَا هَاهُنَا، وَأَوْرَدَهُ عَنْ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ: أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا نَزَلَ فِي أَرْضِ بَنِي كَنْعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، أَتَى قَوْمُ بَلْعَامَ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: هَذَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدْ جَاءَ يُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا وَيَقْتُلُنَا وَيُحِلُّهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّا قَوْمُكَ، وَلَيْسَ لَنَا مَنْزِلٌ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، فَاخْرُجْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَيَلْكُمُ! نَبِيُّ اللَّهِ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، كَيْفَ أَذْهَبُ أَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ؟! قَالُوا لَهُ: مَا لَنَا مِنْ مَنْزِلٍ! فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ يُرَقِّقُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ، فَرَكِبَ حَمَارَةً (١١) لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي يُطْلِعُهُ عَلَى عَسْكَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ جَبَلُ حُسْبان، فَلَمَّا سَارَ عَلَيْهَا غَيْرَ كَثِيرٍ، رَبَضَتْ بِهِ، فنزل عنها فضربها، حتى إذا

(١) في م: "على قومه".
(٢) في أ: "فقالوا له".
(٣) في أ: "تستقبلهم".
(٤) في أ: "إن من منزلتي".
(٥) في م: "على رأس رمحه".
(٦) في أ: "حتى إذا".
(٧) في ك: "العلوي".
(٨) في ك: "العلوي".
(٩) في أ: "شهتوم".
(١٠) في أ: "ثم ذكر".
(١١) في م، أ: "حمارا".


الصفحة التالية
Icon