وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَإِبْرَاهِيمُ النخعي، وقتادة، والشعبي، والسدي، وعبد الرحمن ابن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي حُرَّةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَكَذَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ (١) عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ.
وَقَالَ هُشَيْم، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الذِّكْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّة: سَمِعْتُ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قَالَ: الْإِنْصَاتُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنَ الصَّلَاةِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ [الْإِنْصَاتُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ؛ لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ] (٢) خَلْفَ الْإِمَامِ وَحَالَ الْخُطْبَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ إِذَا مَرَّ الْإِمَامُ بِآيَةِ خَوْفٍ أَوْ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِنْ خَلْفِهِ شَيْئًا، قَالَ: السُّكُوتُ.
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالة، عَنِ الْحَسَنِ: إِذَا جَلَسْتَ إِلَى الْقُرْآنِ، فَأَنْصِتْ لَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٣) رَحِمَهُ اللَّهُ.
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦) ﴾
يَأْمُرُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، كَمَا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ فِي هَذَيْنَ الْوَقْتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩] وَقَدْ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ.
وَقَالَ هَاهُنَا بِالْغُدُوِّ -وَهُوَ أَوَائِلُ النَّهَارِ: ﴿وَالآصَالِ﴾ جَمْعُ أَصِيلٍ، كَمَا أَنَّ الْأَيْمَانَ جَمْعُ يَمِينٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ أَيِ: اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ رهبة ورغبة، وبالقول لا جهرًا؛ ولهذا

(١) في د، أ: "ابن جرير".
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) المسند (٢/٣٤١) وفي إسناده عباد بن ميسرة وهو ضعيف.


الصفحة التالية
Icon