اللَّهَ [تَعَالَى] (١) قَالَ لِعَبْدِهِ إِسْرَائِيلَ: "أَنْتَ ابْنِي بِكْرِي". فَحَمَلُوا هَذَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وحَرّفوه. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُقَلَائِهِمْ، وَقَالُوا: هَذَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّشْرِيفِ وَالْإِكْرَامِ، كَمَا نَقَلَ النَّصَارَى عَنْ كِتَابِهِمْ أَنْ عِيسَى قَالَ لَهُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ، يَعْنِي: رَبِّي وَرَبِّكِمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبُنُوَّةِ مَا ادَّعَوْهَا فِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ (٢) مَعَزَّتَهُمْ لَدَيْهِ وحظْوتهم عِنْدَهُ، وَلِهَذَا قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (٣) رَادًّا عَلَيْهِمْ: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ أَيْ: لَوْ كُنْتُمْ كَمَا تَدَّعُونَ أَبْنَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ، فَلِمَ أعَد (٤) لَكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ عَلَى كُفْرِكُمْ وَكَذِبِكُمْ وَافْتِرَائِكُمْ؟. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ: أَيْنَ تَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الْحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَتَلَا الصُّوفِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الْمُسْنَدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْد، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَبِيٍّ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوْطَأ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنَيِ ابْنِي! وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ. قَالَ: فَخفَّضَهُم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "لَا وَاللَّهِ مَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ". تَفَرَّدَ بِهِ. (٥)
[وَقَوْلُهُ] (٦) ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ أَيْ: لَكُمْ أُسْوَةٌ أَمْثَالُكُمْ مَنْ بَنِيَ آدَمَ، وَهُوَ تَعَالَى هُوَ الْحَاكِمُ فِي جَمِيعِ عِبَادِهِ ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أَيِ: الْجَمِيعُ مِلْكُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ إِلَيْهِ، فَيَحْكُمُ فِي عِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ.
[وَ] (٧) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَة، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ (٨) وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَاسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ (٩) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ، فَقَالُوا: مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ! نَحْنُ وَاللَّهِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ [اللَّهُ] (١٠) فِيهِمْ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَيَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ [تَعَالَى] (١١) ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ أَمَّا قَوْلُهُمْ: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلى إسرائيل أن
(٢) في ر، أ: "من ذلك".
(٣) في أ: "عز وجل".
(٤) في أ: أعددت".
(٥) المسند (٣/١٠٤).
(٦) زيادة من أ.
(٧) زيادة من أ.
(٨) في أ: "عتمان بن صا".
(٩) في أ: "فكلمهم."
(١٠) زيادة من أ.
(١١) زيادة من أ.