وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ نَظَرٌ. (١)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: لما نزل مُوسَى وَقَوْمُهُ، بَعَثَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا (٢) -وَهُمُ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ ذَكَرَ (٣) اللَّهُ، فَبَعَثَهُمْ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِهِمْ، فَسَارُوا، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، فَجَعَلَهُمْ فِي كِسَائِهِ، فَحَمَلَهُمْ حَتَّى أَتَى بِهِمُ الْمَدِينَةَ، وَنَادَى فِي قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ قَوْمُ مُوسَى، بَعَثَنَا نَأْتِيهِ (٤) بِخَبَرِكُمْ. فَأَعْطَوْهُمْ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ تَكْفِي الرَّجُلَ، فَقَالُوا لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَوْمِهِ فَقُولُوا لَهُمُ: اقْدُرُوا قَدْر فَاكِهَتِهِمْ (٥) فَلَمَّا أَتَوْهُمْ قَالُوا: يَا مُوسَى، ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون﴾
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخَذَ عَصًا، فَذَرَعَ (٦) فِيهَا بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي كَمْ ذَرَعَ، ثُمَّ قَاسَ بِهَا فِي الْأَرْضِ خَمْسِينَ أَوْ خَمْسًا (٧) وَخَمْسِينَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا طُولُ الْعَمَالِيقِ.
وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا أَخْبَارًا مِنْ وَضْعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي عَظَمَةِ خَلْقِ هَؤُلَاءِ الْجَبَّارِينَ، وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ عَوْجُ بْنُ عُنُقٍ، بِنْتِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ كَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلْثُ ذِرَاعٍ، تَحْرِيرُ الْحِسَابِ! وَهَذَا شَيْءٌ يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ. ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (٨) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (٩) خَلَقَ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ (١٠) حَتَّى الْآنَ". (١١)
ثُمَّ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ كَافِرًا، وَأَنَّهُ كَانَ وَلَدَ زِنْية، وَأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ رُكُوبِ السَّفِينَةِ، وَأَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى رُكْبَتِهِ (١٢) وَهَذَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَنَّ نُوحًا دَعَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَقَالَ (١٣) ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٦] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾ (١٤) [الشُّعَرَاءِ: ١١٩-١٢٠] وَقَالَ تَعَالَى: [قَال] (١٥) ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ﴾ [هُودٍ: ٤٣] وَإِذَا كَانَ ابْنُ نُوحٍ الْكَافِرُ غَرِقَ، فَكَيْفَ يَبْقَى عَوْجُ بْنُ عُنُقٍ، وَهُوَ كَافِرٌ وَوَلَدُ زِنْيَةٍ؟! هَذَا لَا يُسَوَّغُ فِي عَقْلٍ وَلَا شَرْعٍ. ثُمَّ فِي وُجُودِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: "عَوْجُ بْنُ عُنُقٍ" نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ أَيْ: فَلَمَّا نَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَرَّضَهُمْ رَجُلَانِ لِلَّهِ عَلَيْهِمَا نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ أَمْرَ اللَّهِ وَيَخْشَى عِقَابَهُ.
(٢) في أ: "نقيبا".
(٣) في أ: "ذكرهم".
(٤) في ر: "نأتيهم".
(٥) في ر: "قدروا قدر فاكهتكم".
(٦) في أ: "وذرع".
(٧) في أ: "خمسة".
(٨) في د، أ: "الصحيحين".
(٩) زيادة من أ.
(١٠) في ر: "تنقص".
(١١) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٣٢٦) ورواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٤١) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(١٢) في ر، أ: "ركبتيه".
(١٣) في أ: "وقال".
(١٤) في ر: "فأنجيناه ومن معه أجمعين" وهو خطأ.
(١٥) زيادة من ر.