بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَتْلُ الصَّبْر لَا يَمُرُّ بِذَنْبٍ إِلَّا مَحَاهُ".
وَهَذَا بِهَذَا لَا يَصِحُّ (١) وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُكَفِّرُ عَنِ الْمَقْتُولِ بِأَلَمِ الْقَتْلِ ذُنُوبَهُ، فَأَمَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْقَاتِلِ فَلَا. وَلَكِنْ قَدْ يَتَّفِقُ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ، وَهُوَ الْغَالِبُ، فَإِنَّ الْمَقْتُولَ يُطَالِبُ الْقَاتِلَ فِي العَرَصات فَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، فَإِنْ نَفِدَتْ (٢) وَلَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَقْتُولِ فطُرِحَت (٣) عَلَى الْقَاتِلِ، فَرُبَّمَا لَا يَبْقَى عَلَى الْمَقْتُولِ خَطِيئَةٌ إِلَّا وُضِعَتْ عَلَى الْقَاتِلِ. وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَظَالِمِ كُلِّهَا، وَالْقَتْلُ مِنْ أَعْظَمِهَا وَأَشَدَّهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا ابْنُ جَرِيرٍ فَقَالَ (٤) وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ تَأْوِيلَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَنْصَرِفَ بِخَطِيئَتِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ -وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾ وَأَمَّا مَعْنَى ﴿وَإِثْمِكَ﴾ فَهُوَ إِثْمُهُ بِغَيْرِ (٥) قَتْلِهِ، وَذَلِكَ مَعْصِيَتُهُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي أَعْمَالٍ سِوَاهُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا هُوَ الصَّوَابُ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ فَجَزَاءُ عَمَلِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (٦) وَإِذَا كَانَ هَذَا (٧) حُكْمُهُ فِي خَلْقِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ (٨) آثَامُ الْمَقْتُولِ مَأْخُوذًا بِهَذَا الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْقَاتِلُ بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَسَائِرِ آثَامِ مَعَاصِيهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ دُونَ مَا رَكِبَهُ قَتِيلُهُ.
هَذَا لَفْظُهُ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا حَاصِلُهُ: كَيْفَ أَرَادَ هَابِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَخِيهِ قَابِيلَ إِثْمُ قَتْلِهِ، وَإِثْمُ نَفْسِهِ، مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ لَهُ مُحَرَّمٌ؟ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ (٩) أَنَّ هَابِيلَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ أَخَاهُ إِنْ قَاتَلَهُ، بَلْ يَكُفُّ يَدَهُ عَنْهُ، طَالِبًا -إنْ وَقَعَ قَتْلٌ-أَنْ يَكُونَ مِنْ أَخِيهِ لَا مِنْهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَضَمِّنٌ مَوْعِظَةً لَهُ لَوِ اتَّعَظَ، وَزَجْرًا لَهُ لَوِ انْزَجَرَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ أَيْ: تَتَحَمَّلُ إِثْمِي وَإِثْمَكَ ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَوَّفَهُ النَّارَ فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِرْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أَيْ: فَحَسُنَتْ (١٠) وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَشَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، أَيْ: بَعْدَ هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ وَهَذَا الزَّجْرِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي يَدِهِ.
وَقَالَ السُّدِّي، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَرَاغَ الْغُلَامُ مِنْهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ فَرَفَعَ صَخْرَةً، فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ فمات،
(٢) في د: "فنيت".
(٣) في أ: "فيطرح".
(٤) في ر: "قال"، وفي أ: "فإنه قال".
(٥) في ر، أ: "يعني".
(٦) في أ: "وعليه".
(٧) في ر: "ذلك".
(٨) في أ: "يكون".
(٩) في أ: "بما هو حاصله".
(١٠) في أ: "فحسنت له".