الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآنِ، اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُونَا ابْنِي آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ القُربان فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ آدَمُ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ضُربا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلًا فَخُذُوا بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا (١) (٢)
وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا فَخُذُوا مِنْ خَيْرِهِمْ وَدَعُوا الشَّرَّ".
وَكَذَا أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ. (٣)
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْد: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، مَكَثَ آدَمُ مِائَةَ سَنَةٍ حَزِينًا لَا يَضْحَكُ، ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: حَيَّاكَ اللَّهُ وَبَيَّاكَ. أَيْ: أَضْحَكَكَ.
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْد، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ غِياث (٤) بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهمْداني قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، بَكَاهُ آدَمُ فَقَالَ:
تَغيَّرت الْبِلَادُ ومَنْ عَلَيها... فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبر قَبيح...
تغيَّر كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ... وقلَّ بَشَاشَة الوجْه الْمَلِيحُ...
فَأُجِيبَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

أبَا هَابيل قَدْ قُتلا جَميعًا وَصَارَ الْحَيُّ كالميْت (٥) الذَّبِيحِ
وجَاء بشرةٍ قَدْ كَانَ مِنْها (٦) عَلى خَوف فجاء بها يَصيح (٧)
(١) في أ: "منها".
(٢) تفسير عبد الرزاق (١/١٨٣) وتفسير الطبري (١٠/٣٢٠).
(٣) تفسير الطبري (١٠/٣٢٠)
(٤) في أ: "عتاب".
(٥) في ر: "بالميت".
(٦) في أ: "منه".
(٧) تفسير الطبري (١٠/٢٠٩، ٢١٠).
وقال الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه القيم: "الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير" (ص١٨٣) :"وقد طعن في نسبة هذه الأشعار إلى نبي الله آدم الإمام الذهبي في كتابه: "ميزان الاعتدال" وقال: إن الآفة فيه من المخرمي أو شيخه.
وما الشعر الذي ذكروه إلا منحول مختلق، والأنبياء لا يقولون الشعر، وصدق الزمخشري حيث قال: "روي أن آدم مكث بعد قتل ابنه مائة سنة لا يضحك، وأنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون، وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر.
وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هو إلا ذكر وقرآن مبين).
وقد قال الإمام الألوسي في تفسيره: وروي عن ميمون بن مهران عن الحبر ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: "من قال: آدم -عليه السلام- قد قال شعرًا فقد كذب، إن محمدًا ﷺ والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء، ولكن لما قتل قابيل هابيل بكاه آدم بالسريانية، فلم يزل ينقل، حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلم بالعربية، والسريانية، فقدم فيه وأخر، وجعله شعرًا عربيًا"، وذكر بعض علماء العربية: أن في ذلك لحنًا، وإقواء، وارتكاب ضرورة، والأولى عدم نسبته إلى يعرب؛ لما فيه من الركاكة الظاهرة.
والحق: أنه شعر في غاية الركاكة، والأشبه أن يكون هذا الشعر اختلاق إسرائيلي ليس له من العربية إلا حظ قليل، أو قصاص يريد أن يستولي على قلوب الناس بمثل هذا الهراء".


الصفحة التالية
Icon