وقال: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بن الحارث، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (١) -أَوْ: عَمْرٍو، شَكَّ يُونُسُ-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ -يَعْنِي بِقِصَّةِ العرَنيين-وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَةُ الْمُحَارِبَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ، وَفِيهِ: "عَنِ ابْنِ عُمَرَ" مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. (٢)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَف، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَمْرِو (٣) بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومٌ مِنْ عُرَيْنَة حُفَاة مَضْرُورِينَ، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَحُّوا وَاشْتَدُّوا قَتَلُوا رعَاء اللِّقَاحِ، ثُمَّ خَرَجُوا بِاللِّقَاحِ عَامِدِينَ بِهَا إِلَى أَرْضِ قَوْمِهِمْ، قَالَ جَرِيرٌ: فَبَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُمْ بَعْدَمَا أَشْرَفُوا عَلَى بِلَادِ قَوْمِهِمْ، فَقَدِمْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وسَمَل أَعْيُنَهُمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: الْمَاءَ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "النَّارُ"! حَتَّى هَلَكُوا. قَالَ: وَكَرِهَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، سَمْل الْأَعْيُنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذه الآية: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (٤) وَفِي إِسْنَادِهِ الرَّبَذيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ ذِكْرُ أَمِيرِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ، وَهُوَ (٥) جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ (٦) وَتَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ السَّرِيَّةَ كَانُوا عِشْرِينَ فَارِسًا مِنَ الْأَنْصَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَكَرِهَ اللَّهُ سَمْلَ الْأَعْيُنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ" فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ سَملوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، فَكَانَ مَا فَعَلَ بِهِمْ قَصَاصًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي فَزَارة قَدْ مَاتُوا هَزْلًا. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى لِقَاحِهِ، فَشَرِبُوا مِنْهَا حَتَّى صَحُّوا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى لَقَاحِهِ فَسَرَقُوهَا، فطُلِبوا، فَأْتِي بِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وسَمَر أَعْيُنَهُمْ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

(١) في أ: "عن أبي عبد الله بن عمر".
(٢) تفسير الطبري (١٠/٢٤٩) وسنن أبي داود برقم (٤٣٦٩) وسنن النسائي (٧/١٠٠).
(٣) في أ: "عمر".
(٤) تفسير الطبري (١٠/٢٥٠).
(٥) في ر، أ: "وإنه".
(٦) قال الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على تفسير الطبري (١٠/٢٤٨) :
"وهذا الخبر ضعيف جدًا، وهو أيضًا لا يصح؛ لأن جرير بن عبد الله البجلي صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العام الذي توفي فيه، وخبر العرنيين كان في شوال سنة ست، في رواية الواقدي (ابن سعد ٢/١/٦٧)، وكان أمير السرية كرز بن جابر الفهري. وذلك قبل وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول سنة ١١ من الهجرة، بأعوام.
وهذا الخبر، ذكره الحافظ ابن حجر، في ترجمة "جرير بن عبد الله البجلي"، وضعفه جدا. أما ابن كثير، فذكره في تفسيره (٣/١٣٩) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ الرَّبَذِيُّ، وَهُوَ ضعيف. وفي إسناده فَائِدَةٌ: وَهُوَ ذِكْرُ أَمِيرِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ. وَهُوَ جرير ابن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ. وَتَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أن هذه السَّرِيَّةَ كَانُوا عِشْرِينَ فَارِسًا مِنَ الْأَنْصَارِ. وَأَمَّا قوله: "فكره الله سمل الأعين" فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، فَكَانَ مَا فَعَلَ بهم قصاصا، والله أعلم".
والعجب لابن كثير، يظن فائدة فيما لا فائدة له، فإن أمير هذه السرية، كان ولا شك، كرز بن جابر الفهري، ولم يرو أحد أن أميرها كان جرير بن عبد الله البجلي، إلا في هذا الخبر المنكر.


الصفحة التالية
Icon