وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١) تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ". فَتَصَدَّقَ النَّاسُ (٢) فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٣)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنْبَأَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ قَاضِي الْمِصْرَيْنِ (٤) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَدْعُو اللَّهُ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حتى يوقف بين يديه، فيقول: يا بن آدَمَ، فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ؟ وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أُضَيِّعْ، وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدَيَّ إِمَّا حَرْقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ. فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ. فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ، فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ" (٥)
وَأَمَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فَمِنْهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ: وَالْحَجُّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لِلْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ: وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُجْتَازُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى سَفَرِهِ، فَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَاتِ مَا يَكْفِيهِ إِلَى بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ أَرَادَ إِنْشَاءَ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَيُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ كِفَايَتَهُ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ، وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَر، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلِ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ" (٦)
وَقَدْ رَوَاهُ السُّفْيَانَانِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ فيُهدي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ" (٧)
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ أَيْ حُكْمًا مُقَدَّرًا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وفَرْضِه وقَسْمه (٨) ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أَيْ: عَلِيمٌ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ وَبَوَاطِنِهَا وَبِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا يَفْعَلُهُ وَيَقُولُهُ وَيَشْرَعُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ،

(١) في أ: "فقال ﷺ لغرمائه".
(٢) في أ: "الناس عليه".
(٣) صحيح مسلم برقم (١٥٥٦).
(٤) في أ: "المصريين".
(٥) المسند (١/١٩٧، ١٩٨).
(٦) سنن أبي داود برقم (١٦٣٥) وسنن ابن ماجه برقم (١٨٤١).
(٧) سنن أبي داود برقم (١٦٣٧) وعطية العوفي ضعيف.
(٨) في ت، أ: "وقسمته".


الصفحة التالية
Icon