إِنَّ أَبِي أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي قَمِيصِكَ -وَهَذَا الْكَلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ -قَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وَزَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَخَلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَمَشَى فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا وَلَّى قَالَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ (١) وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا قَبْلَهُ شَاهِدٌ لَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَا [أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا] (٢) أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ وَقَالَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ (٣) وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودٍ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أرسلتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَغْفِرَ لِي، وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُؤَنِّبَنِي! ثُمَّ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبيّ لَمَّا قَدِمَ الْعَبَّاسُ طُلب لَهُ قَمِيصٌ، فَلَمْ يُوجَد عَلَى تَفْصِيلِهِ إِلَّا ثَوْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَخْمًا طَوِيلًا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُكَافَأَةً لَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَيْهِ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَلَا يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ لِجِنَازَةٍ سَأَلَ عَنْهَا، فَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِهَا: "شَأْنُكُمْ بِهَا"، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا (٤)
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةِ مَنْ جُهِل حَالُهُ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَعْيَانَ مُنَافِقِينَ قَدْ أَخْبَرَهُ (٥) بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ: "صَاحِبُ السِّرِّ" الَّذِي لا يعلمه غيره أي من الصحابة.
(٢) زيادة من ت، أ، والطبري.
(٣) تفسير الطبري (١٤/٤٠٧) ومسند أبي يعلى (٧/١٤٥).
(٤) المسند (٥/٢٩٩).
(٥) في أ: "أعلمه".