إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: " مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ" -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا -قَالَ: "وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ (١) وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيج، وَهُوَ خَطَأٌ (٢) وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّهُ [تَعَالَى] (٣) أَعْلَمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا شَاوَرَهُ فِي قَتْلِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَة: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ (٤) غَفَرْتُ لَكُمْ " (٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى [وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ] ﴾ (٦) الْآيَةَ أَيْ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ بَعْثَ الْمَلَائِكَةِ وَإِعْلَامَهُ إِيَّاكُمْ بِهِمْ إِلَّا بُشرى، ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ ؛ وَإِلَّا فَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْرِكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٤-٦] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠، ١٤١] فَهَذِهِ حِكَمٌ شَرَع اللَّهُ جِهَادَ الْكُفَّارِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِهَا، وَقَدْ كَانَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِبُ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ الْمُكَذِّبَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ بِالْقَوَارِعِ الَّتِي تَعُمُّ تِلْكَ الْأُمَّةَ الْمُكَذِّبَةَ، كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ، وَعَادًا الْأُولَى بالدَّبُور، وَثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ، وَقَوْمَ لُوطٍ بِالْخَسْفِ وَالْقَلْبِ وَحِجَارَةِ السِّجِّيلِ (٧) وَقَوْمَ شُعَيْبٍ بِيَوْمِ الظُّلَّةِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٨) وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ بِالْغَرَقِ فِي الْيَمِّ، ثُمَّ أَنْزَلَ (٩) عَلَى مُوسَى التَّوْرَاةَ، شَرَعَ فِيهَا قِتَالَ الْكُفَّارِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ [لِلنَّاسِ] ﴾ [الْقَصَصِ: ٤٣] (١٠) وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَشَدُّ إِهَانَةً لِلْكَافِرِينَ، وَأَشْفَى لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ] ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٤، ١٥] ؛ (١١) وَلِهَذَا كَانَ قَتلُ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ بِأَيْدِي أَعْدَائِهِمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ بِأَعْيُنِ ازْدِرَائِهِمْ، أَنَكَى لَهُمْ وَأَشْفَى لِصُدُورِ حِزْبِ الْإِيمَانِ. فَقَتْلُ أَبِي جَهْلٍ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى، أَشَدُّ إِهَانَةً لَهُ مِنْ أَنْ
(٢) المعجم الكبير (٤/٢٧٧).
(٣) زيادة من م.
(٤) في د: "قد".
(٥) صحيح البخاري برقم (٣٩٨٣) وصحيح مسلم برقم (٢٤٩٤).
(٦) زيادة من د، ك، م.
(٧) في ك، أ: "السجين".
(٨) زيادة من أ.
(٩) في ك: "أنزل الله".
(١٠) زيادة من م.
(١١) زيادة من أ.