وَقَالَ [عَلِيُّ] (١) بْنُ أَبِي طَلْحَةَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْجِهَادِ، وَلَكِنْ لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُضر بِالسِّنِينَ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، وَكَانَتِ الْقَبِيلَةُ مِنْهُمْ تُقبِل بِأَسْرِهَا حَتَّى يَحِلُّوا بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ، وَيَعْتَلُّوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ كَاذِبُونَ. فَضَيَّقُوا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْهَدُوهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ يُخْبِرُ رَسُولَهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ، فَرَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى عَشَائِرِهِمْ، وَحَذَّرَ قَوْمَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كَانَ يَنْطَلِقُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ عِصَابَةٌ، فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَيَتَفَقَّهُونَ فِي دِينِهِمْ، وَيَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّهِ: مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَفْعَلَهُ؟ وَأَخْبِرْنَا [مَا نَقُولُ] (٢) لِعَشَائِرِنَا إِذَا قَدِمْنَا انْطَلَقْنَا إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَيَأْمُرُهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيَبْعَثُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. وَكَانُوا إِذَا أَتَوْا قَوْمَهُمْ نَادَوْا: إِنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ مِنَّا، وَيُنْذِرُونَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفَارِقُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ قَوْمَهُمْ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُنْذِرُونَهُمُ النَّارَ وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: [الشَّرِيفَةُ] (٣) ﴿إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٤) ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٩]، وَ ﴿مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا [عَنْ رَسُولِ اللَّهِ] ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٠]، (٥) قَالَ الْمُنَافِقُونَ: هَلَكَ أَصْحَابُ الْبَدْوِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَنْفِرُوا مَعَهُ. وَقَدْ كَانَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا إِلَى الْبَدْوِ إِلَى قَوْمِهِمْ يُفَقِّهُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ الْآيَةَ، وَنَزَلَتْ: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ الْآيَةَ [الشُّورَى: ١٦].
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ قَالَ: لِيَتَفَقَّهَ الَّذِينَ خَرَجُوا، بِمَا يُرِدْهُمُ اللَّهُ مِنَ الظُّهُورِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
(٢) زيادة من ت، ك، أ.
(٣) زيادة من ت.
(٤) في ت، ك: "يعذبكم".
(٥) زيادة من ت، أ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) ﴾
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْكُفَّارَ أَوَّلًا فَأَوَّلًا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إِلَى حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَالطَّائِفَ، وَالْيَمَنَ وَالْيَمَامَةَ، وَهَجَرَ، وَخَيْبَرَ، وَحَضْرَمَوْتَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَقَالِيمِ جَزِيرَةِ العرب،