عَلَى الصِّرَاطِ، حَتَّى يَجُوزُوهُ ويخلصُوا إِلَى الْجَنَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قَالَ: [يَكُونُ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ]. (١)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج فِي [قَوْلِهِ: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قَالَ] (٢) : يمثُل لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ إِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ، يُعَارِضُ صَاحِبَهُ وَيُبَشِّرُهُ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ. فَيُجْعَلُ (٣) لَهُ نُورًا. مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ (٤) الْجَنَّةَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ وَالْكَافِرُ يَمْثُلُ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيِّئَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فَيُلَازِمُ صَاحِبَهُ ويلازُّه (٥) حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي النَّارِ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ: هَذَا حَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أخبرتُ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [قَالَ: إِذَا مَرَّ بِهِمُ الطَّيْرُ يَشْتَهُونَهُ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ] (٦) وَذَلِكَ دَعْوَاهُمْ فَيَأْتِيهِمُ الْمَلَكُ بِمَا يَشْتَهُونَهُ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾ قَالَ: فَإِذَا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّهَ رَبَّهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِذَا أَرَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْعُوَا بِالطَّعَامِ قَالَ أَحَدُهُمْ: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ قَالَ: فَيَقُومُ عَلَى أَحَدِهِمْ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ خَادِمٍ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهَا طَعَامٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، قَالَ: فَيَأْكُلُ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَدْعُوَ بِشَيْءٍ قَالَ: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾
وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا شَبَهٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٤٤]، وَقَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٥، ٢٦]. وَقَوْلِهِ: ﴿سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨]. وَقَوْلِهِ: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمَحْمُودُ أَبَدًا، الْمَعْبُودُ عَلَى طُولِ الْمَدَى؛ وَلِهَذَا حَمِدَ نَفْسَهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، وَفِي ابْتِدَاءِ كِتَابِهِ، وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ تَنْزِيلِهِ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الْكَهْفِ: ١]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي يطول بسطها، وأنه
(٢) زيادة من ت، أ، وفي هـ: "الآية".
(٣) في ت: "فنجعل".
(٤) في ت: "يدخل".
(٥) في ت: "ويلاده".
(٦) زيادة من ت، أ.