البُناني، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى؛ أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ سَبَبًا دُلِّي مِنَ السَّمَاءِ، فانتُشط رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أُعِيدَ، فانتُشط أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ ذُرعَ (١) النَّاسُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، فَفَضُلَ عُمَرُ بِثَلَاثِ أَذْرُعٍ إِلَى الْمِنْبَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنَا مِنْ رُؤْيَاكَ، لَا أرَبَ لَنَا فِيهَا! فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ قَالَ: يَا عَوْفُ، رُؤْيَاكَ! فَقَالَ: وَهَلْ لَكَ فِي رُؤْيَايَ مِنْ حَاجَةٍ؟ أَوْلَمَ تَنْتَهِرْنِي (٢) ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِّي: كَرِهْتُ أَنْ تنعَى لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ! فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ: "ذُرع (٣) النَّاسُ إِلَى الْمِنْبَرِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَذْرُعِ"، قَالَ: أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَإِنَّهُ كَائِنٌ خَلِيفَةً. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ فَقَدِ استُخلفت (٤) يَا ابْنَ أُمِّ عُمَرَ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَعْمَلُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَإِنِّي لَا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ"، فَمَا شَاءَ اللَّهُ! وَأَمَّا قَوْلُهُ: [إِنِّي] (٥) شَهِيدٌ فَأَنَّى لِعُمَرَ الشَّهَادَةُ وَالْمُسْلِمُونَ مطيفون به. (٦)

(١) في ت: "درع".
(٢) في ت: "تنتهزني".
(٣) في ت، أ: "درع".
(٤) في ت، أ: "استخلف".
(٥) زيادة من ت.
(٦) تفسير الطبري (١٥/٣٩).

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَعَنُّتِ الْكُفَّارِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الْجَاحِدِينَ الْحَقَّ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ، أَنَّهُمْ إِذَا قَرَأ عَلَيْهِمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَ اللَّهِ وحُجَجه الْوَاضِحَةَ قَالُوا لَهُ: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾ أَيْ: رُدَّ هَذَا وَجِئْنَا بِغَيْرِهِ مِنْ نَمَطٍ آخَرَ، أَوْ بَدّله إِلَى وَضْعٍ آخَرَ، قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ أَيْ: لَيْسَ هَذَا إِلَيَّ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ، وَرَسُولٌ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ، ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
ثُمَّ قَالَ مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ أَيْ: هَذَا إِنَّمَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَنْ إِذَنِ اللَّهِ لِي فِي ذَلِكَ وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنِّي لَسْتُ أَتَقَوَّلُهُ مِنْ عِنْدِي وَلَا افْتَرَيْتُهُ (١) أَنَّكُمْ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي وَأَمَانَتِي مُنْذُ نَشَأْتُ بَيْنَكُمْ إِلَى حِينِ بَعَثَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَا تَنْتَقِدُونَ عَلَيَّ شَيْئًا تَغمصوني بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ: أَفَلَيْسَ لَكُمْ عُقُولٌ تَعْرِفُونَ بِهَا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ هِرَقْلُ مَلِكُ الروم
(١) في ت: "أفتريه"، وفي أ: "أقربه".


الصفحة التالية
Icon