سَطَحَ هَذِهِ الْأَرْضَ؟ قَالَ: "اللَّهُ". قَالَ: فَبِالَّذِي رَفَعَ هَذِهِ السَّمَاءَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وسَطَح هَذِهِ الْأَرْضَ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" ثُمَّ (١) سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصِّيَامِ، وَيَحْلِفُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ (٢) هَذِهِ الْيَمِينَ، وَيَحْلِفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ. (٣)
فَاكْتَفَى هَذَا الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا، وَقَدْ أَيْقَنَ بِصِدْقِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِمَا رَأَى وَشَاهَدَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
لَو لَمْ تَكُن (٤) فِيهِ آياتٌ مُبَيّنة كَانَتْ بَديهَتُه (٥) تَأتيكَ بالخَبَرِ
وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَمَنْ شَاهَدَهُ مِنْ ذَوي الْبَصَائِرِ، عَلِمَ أَمْرَهُ لَا مَحَالَةَ، بِأَقْوَالِهِ الرَّكِيكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ، وَأَفْعَالِهِ غَيْرِ الْحَسَنَةِ بَلِ الْقَبِيحَةِ، وَقُرْآنِهِ الَّذِي يُخَلَّدُ بِهِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (٦) وَالْفَضِيحَةِ، وَكَمْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥]. وَبَيْنَ عُلاك (٧) مُسَيْلِمَةَ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ: "يَا ضُفْدَعُ بِنْتَ (٨) الضُّفْدَعَيْنِ، نَقِّي كَمَا تُنَقِّينَ لَا الْمَاءُ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبُ تَمْنَعِينَ". وَقَوْلُهُ -قُبّح وَلُعِنَ -: "لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، إِذْ أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمة تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاق وحَشَى". وَقَوْلُهُ -خَدّره (٩) اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَدْ فَعَلَ -: "الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ؟ لَهُ زُلقُومٌ (١٠) طَوِيلٌ" وَقَوْلُهُ -أَبْعَدَهُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ: "وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَاللَّاقِمَاتِ (١١) لَقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، إِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ وَالْخُرَافَاتِ الَّتِي يَأْنَفُ الصِّبْيَانُ أَنْ يَتَلَفَّظُوا بِهَا، إِلَّا عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ؛ وَلِهَذَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ، وَشَرِبَ يَوْمَ "حَدِيقَةِ الْمَوْتِ" حَتْفَهُ. ومَزّق (١٢) شَمْلَهُ. وَلَعَنَهُ صحبُه وَأَهْلُهُ. وَقَدِمُوا عَلَى الصِّدِّيقِ تَائِبِينَ، وَجَاءُوا فِي دِينِ اللَّهِ رَاغِبِينَ، فَسَأَلَهُمُ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةُ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ [اللَّهُ] (١٣) عَنْهُ -أَنْ يَقْرَءُوا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَقْرَءُوا شَيْئًا مِنْهُ لِيُسْمِعَهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَعْرِفُوا فَضْلَ مَا هُمْ عَلَيْهِ (١٤) مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ. فَقَرَءُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَشْبَاهَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيْحَكُمْ! أَيْنَ كَانَ يُذهب بِعُقُولِكُمْ؟ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ من إلٍّ.
(٢) في ت: "واحد".
(٣) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٢) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنحو هذا السياق.
(٤) في ت: "يكن".
(٥) في أ: "بدايته".
(٦) في ت، أ: "الحشر".
(٧) في ت: "علال".
(٨) في ت: "بين".
(٩) في ت، أ: "خلده".
(١٠) في ت، أ: "زلوم".
(١١) في ت، أ: "فاللاقمات".
(١٢) في ت، أ: "وتمزق".
(١٣) زيادة من ت.
(١٤) في ت، أ: "فيه".