الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ" (١) فَأُمَّتُهُ إِنَّمَا حَازَتْ قَصَب السَّبْقِ لِشَرَفِ رَسُولِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [دَائِمًا] (٢) إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كُفْرِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِعْجَالِهِمُ العذَاب وَسُؤَالِهِمْ عَنْ وَقْتِهِ قَبْلَ التَّعَيُّنِ، مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَهُمْ (٣) كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشُّورَى: ١٨] أَيْ: كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ وَوَاقِعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَهَا عَيْنًا، وَلِهَذَا أرشَدَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَوَابِهِمْ فَقَالَ: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أَيْ: لَا أَقُولُ إِلَّا مَا علَّمني، وَلَا أَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُطلعني عَلَيْهِ، فَأَنَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَجِيءِ السَّاعَةِ وَأَنَّهَا كَائِنَةٌ، وَلَمْ يُطْلِعْنِي عَلَى وَقْتِهَا، [وَلَكِنْ] (٤) ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ أَيْ: لِكُلِّ قَرْنٍ مدَّة مِنَ الْعُمُرِ مقدَّرة (٥) فَإِذَا انْقَضَى أَجْلُهُمْ ﴿فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ١١]، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ عَذَابَ اللَّهِ سَيَأْتِيهِمْ بَغْتَةً، فَقَالَ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا﴾ أَيْ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، ﴿مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه﴾ يَعْنِي: أَنَّهُمْ إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السَّجْدَةِ: ١٢]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غَافِرٍ: ٨٤، ٨٥].
﴿ثُمَّ قِيلَ (٦) لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ هَذَا، تَبْكِيتًا وَتَقْرِيعًا، كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٣ -١٦].

(١) هذا اللفظ في صحيح مسلم برقم (٨٥٦) من حديث حذيفة رضي الله عنه، وروى البخاري أوله برقم (٨٧٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت، أ: "لهم فيه".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت: "تقدر".
(٦) في ت: "قل".


الصفحة التالية