إِحْدَى (١) وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ النَّصَارَى افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي (٢) عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةَ وَاحِدَةً". قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي".
رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ (٣)
وَقَالَ عَطَاءٌ: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ ﴿إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ يَعْنِي: الحنَيفيَّة.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أهلُ رَحْمَةِ اللَّهِ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ أَهْلُ فِرْقَةٍ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ -: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقهم.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: خَلَقَهُمْ فَرِيقَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هُودٍ: ١٠٥].
وَقِيلَ: لِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فَأَكْثَرَا (٤) فَقَالَ طَاوُسٌ: اخْتَلَفْتُمَا فَأَكْثَرْتُمَا (٥) ! فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: لِذَلِكَ خُلِقْنَا. فَقَالَ طَاوُسٌ: كَذَبْتَ. فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قَالَ: لَمْ يَخْلُقْهُمْ لِيَخْتَلِفُوا، وَلَكِنْ خَلَقَهُمْ لِلْجَمَاعَةِ وَالرَّحْمَةَ. كَمَا قال الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ وَلَمْ يَخْلُقْهُمْ لِلْعَذَابِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَيَرْجِعُ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٥٦].
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ: وَلِلرَّحْمَةِ وَالِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قَالَ: النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى، ﴿إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فَمِنْ رَحِمَ رَبُّكَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ. قِيلَ لَهُ: فَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ [قَالَ] (٦) خَلَقَ هَؤُلَاءِ لَجَنَّتِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِنَارِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِرَحْمَتِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِعَذَابِهِ.
وَكَذَا (٧) قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاح، وَالْأَعْمَشُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْب: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قَالَ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

(١) في أ: "اثنين".
(٢) في أ: "هذه الأمة".
(٣) سبق تخريجه عند تفسير الآية: ٩٣ من سورة يونس.
(٤) في ت: "فأكثروا".
(٥) في ت: "وأكثرتما".
(٦) زيادة من ت.
(٧) في ت: "وكذلك".


الصفحة التالية
Icon