بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَلَا تَتهوَّكوا، وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ المتهوِّكون". قَالَ عُمَرُ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رِبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِكَ رَسُولَا. ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مُخْتَصَرًا، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِهِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَبُو شَيبَة (٢) الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ وَشَيْخَهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: أَنَّ جُبَير بْنَ نُفَير حَدّثهم: أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا بِحِمْصَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فِيمَنْ أَرْسَلَ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَكَانَا قَدِ اكْتَتَبَا مِنَ الْيَهُودِ صلاصفة (٣) فَأَخَذَاهَا مَعَهُمَا يَسْتَفْتِيَانِ فِيهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَقُولُونَ: إِنْ رَضِيَهَا لَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ازْدَدْنَا فِيهَا رَغْبَةً. وَإِنْ نَهَانَا عَنْهَا رَفَضْنَاهَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ قَالَا إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَإِنَّا نَسْمَعُ مِنْهُمْ كَلَامًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُنَا، أَفَنَأْخَذُ مِنْهُ أَوْ نَتْرُكُ؟ فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا كَتَبْتُمَا مِنْهُ شَيْئًا. قَالَا (٤) لَا. قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا، انْطَلَقْتُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (٥) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ خَيْبَرَ، فَوَجَدْتُ يَهُودِيًّا يَقُولُ قَوْلًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ مُكْتِبِي مَا تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُ بِأَدِيمٍ، فَأَخَذَ يُمْلِي عَلَيَّ، حَتَّى كَتَبْتُ فِي الأكرُع. فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: "ائْتِنِي بِهِ". فَانْطَلَقْتُ أَرْغَبُ عَنِ الْمَشْيِ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ أَتَيْتُ (٦) رَسُولَ اللَّهِ بِبَعْضِ مَا يُحِبُّ، فَلَمَّا أَتَيْتُ بِهِ قَالَ: "اجْلِسِ اقْرَأْ عَلَيَّ". فَقَرَأْتُ سَاعَةً، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَلَوَّنُ، فَتَحَيَّرْتُ مِنَ الفَرق، فَمَا اسْتَطَعْتُ أُجِيزُ (٧) مِنْهُ حَرْفًا، فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِي دَفَعه (٨) ثُمَّ جَعَلَ يُتْبِعُهُ رَسْمًا رَسْمًا فَيَمْحُوهُ بِرِيقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَا تَتَبِعُوا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ هَوكوا وتَهَوَّكوا"، حَتَّى مَحَا آخِرَهُ حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا كَتَبْتُمَا مِنْهُ شَيْئًا جَعَلْتُكُمَا نَكَالًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ! قَالَا وَاللَّهِ مَا نَكْتُبُ مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا. فَخَرَجَا بِصلَاصفَتِهِمَا (٩) فَحَفَرَا لَهَا (١٠) فَلَمْ يألُوا أَنْ يعمِّقَا، ودفناها
(٢) في ت: "ابن شيبة".
(٣) في هـ: "ملاصق" بدون نقط، والمثبت من ت، أ.
(٤) في ت، أ: "فقالا".
(٥) في ت: "النبي".
(٦) في ت: "جئت".
(٧) في ت: "أحبر".
(٨) في ت: "دفعته".
(٩) في هـ، ت: "بصفيهما" والمثبت من أ.
(١٠) في ت: "فحفراها".