مَرْضَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ هَذَانِ (١) الْفَتَيَانِ إِلَى السِّجْنِ، تَآلَفَا بِهِ وَأَحَبَّاهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَقَالَا لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حُبًّا زَائِدًا. قَالَ (٢) بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، إِنَّهُ مَا أَحَبَّنِي أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ مَحَبَّتِهِ ضَرَرٌ، أَحَبَّتْنِي عَمَّتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ الضَّرَرُ بِسَبَبِهَا، وَأَحَبَّنِي أَبِي فَأُوذِيتُ بِسَبَبِهِ، وَأَحَبَّتْنِي امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَكَذَلِكَ، فَقَالَا وَاللَّهِ مَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمَا رَأَيَا مَنَامًا، فَرَأَى السَّاقِي أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا -يَعْنِي عِنَبًا -وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا". وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَان، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شَرِيك، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَرَأَهَا: "أَعْصِرُ عِنَبًا".
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ يَعْنِي: عِنَبًا. قَالَ: وَأَهْلُ عَمَّانَ يسمُّون الْعِنَبَ خَمْرًا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: رَأَيْتُ (٣) فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنِّي غَرَسْتُ حَبَلة مِنْ عِنَبٍ، فَنَبَتَتْ. فَخَرَجَ فِيهِ عَنَاقِيدُ، فَعَصَرْتُهُنَّ ثُمَّ سَقَيْتُهُنَّ الْمَلِكَ. قَالَ (٤) تَمْكُثُ فِي السِّجْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَسْقِيَهُ خَمْرًا.
وَقَالَ الْآخَرُ -وَهُوَ الْخَبَّازُ -: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّهُمَا رَأَيَا مَنَامًا وَطَلَبَا تَعْبِيرَهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا رَأَى صَاحِبَا يُوسُفَ شَيْئًا، إِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا عَلَيْهِ.
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) ﴾
(٢) في ت، أ: "فقال".
(٣) في ت: "وقال عكرمة: قال له رأيت".
(٤) في ت، أ: "فقال".
﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨) ﴾
يُخْبِرُهُمَا يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُمَا (١) مَهْمَا رَأَيَا فِي نَوْمِهِمَا مِنْ حُلْمٍ، فَإِنَّهُ عَارِفٌ (٢) بِتَفْسِيرِهِ وَيُخْبِرُهُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾
(٢) في أ: "عالم".