الْخُضْرُ، ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ فَقَالَ: ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أَيْ: مَهْمَا اسْتَغْلَلْتُمْ (١) فِي هَذِهِ السَّبْعِ السِّنِينَ الْخِصْبَ فَاخْزُنُوهُ فِي سُنْبُلِهِ، لِيَكُونَ أَبْقَى لَهُ وَأَبْعَدَ عَنْ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ، إِلَّا الْمِقْدَارَ الَّذِي تَأْكُلُونَهُ، وَلْيَكُنْ قَلِيلًا قَلِيلًا لَا تُسْرِفُوا فِيهِ، لِتَنْتَفِعُوا فِي السَّبْعِ الشِّدَادِ، وَهُنَّ السَّبْعُ السِّنِينَ المُحْل الَّتِي تَعْقُبُ هَذِهِ السَّبْعَ مُتَوَالِيَاتٍ، وَهُنَّ الْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ اللَّاتِي يَأْكُلْنَ السِّمان؛ لِأَنَّ سِنِيَّ (٢) الجَدْب يُؤْكَلُ فِيهَا مَا جَمَعَوه فِي سِنِيِّ (٣) الْخِصْبِ، وَهُنَّ السُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ.
وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُنَّ لَا يُنْبِتْنَ شَيْئًا، وَمَا بَذَرُوهُ فَلَا يَرْجِعُونَ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾
ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بَعْدَ الجَدْب الْعَامِ الْمُتَوَالِي بِأَنَّهُ يَعْقُبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ أَيْ: يَأْتِيهِمُ الْغَيْثُ، وَهُوَ المَطرُ، وتُغل الْبِلَادُ، ويَعصرُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْصِرُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ، مِنْ زَيْتٍ وَنَحْوِهُ، وَسُكَّرٍ وَنَحْوِهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ (٤) فِيهِ حَلْبُ اللَّبَنِ أَيْضًا.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ يَحْلِبُونَ.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) ﴾

(١) في ت، أ: "استغليتم".
(٢) في ت، أ: "سنين".
(٣) في ت، أ: "سنين".
(٤) في ت، أ: "ويدخل".

﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَلِكِ لَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ بِتَعْبِيرِ رُؤْيَاهُ، الَّتِي كَانَ رَآهَا، بِمَا أَعْجَبَهُ وَأَيْنَقَهُ، فَعَرَفَ فَضْلَ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعِلْمَهُ [وَحُسْنَ اطِّلَاعِهِ عَلَى رُؤْيَاهُ] (١) وَحُسْنَ أَخْلَاقِهِ عَلَى مَنْ بِبَلَدِهِ مِنْ رَعَايَاهُ، فَقَالَ ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ أَيْ: أَخْرِجُوهُ مِنَ السِّجْنِ وَأَحْضَرُوهُ. فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَلِكُ وَرَعَيَّتُهُ بَرَاءَةَ سَاحَتِهِ، وَنَزَاهَةَ عِرْضِهِ، مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَأَنَّ هَذَا السِّجْنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَمْرٍ يَقْتَضِيهِ، بَلْ كَانَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، قَالَ: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾
وَقَدْ وَرَدَتِ السَّنَةُ بِمَدْحِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ، وعُلُوّ قَدْرِهِ وَصَبْرِهِ، صَلَوَاتُ الله
(١) زيادة من ت، أ.


الصفحة التالية
Icon