لِلْمُؤْمِنِ [مِنَ الْفِتْنَةِ] (١) وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ" (٢).
فَعِنْدَ حُلول الْفِتَنِ فِي الدِّينِ يَجُوزُ سُؤَالُ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي آخِرِ إِمَارَتِهِ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْأُمُورَ لَا تَجْتَمِعُ لَهُ، وَلَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شَدَّةً قَالَ: اللهمَّ، خُذْنِي إِلَيْكَ، فَقَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لَمَّا وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْمِحَنُ وَجَرَى لَهُ مَا جَرَى مَعَ أَمِيرِ خُرَاسَانَ: اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي إِلَيْكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَمُرُّ بِالْقَبْرِ -أَيْ فِي زَمَانِ الدَّجَّالِ -فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَكَ" (٣) لِمَا يَرَى مِنَ الْفِتَنِ وَالزَّلَازِلِ وَالْبَلَابِلِ وَالْأُمُورِ الْهَائِلَةِ الَّتِي هِيَ فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: وذُكِرَ أَنَّ بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِينَ فَعَلُوا بِيُوسُفَ مَا فَعَلُوا، اسْتَغْفَرَ لَهُمْ أَبُوهُمْ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ، وَغَفَرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ.
[ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ] (٤) :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ يَزِيدُ الرَّقاشي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَمَعَ لِيَعْقُوبَ شَمْلَهُ، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ (٥) خَلَا ولدُه نَجِيًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَسْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ، وَمَا لَقِيَ مِنْكُمُ الشَّيْخُ، وَمَا لَقِيَ مِنْكُمْ يُوسُفُ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَيَغُرُّكُمْ عَفْوُهُمَا عَنْكُمْ، فَكَيْفَ لَكَمَ بِرَبِّكُمْ؟ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ أَتَوُا الشَّيْخَ فَجَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُوسُفُ إِلَى جَنْبِ أَبِيهِ قَاعِدًا، قَالُوا: يَا أَبَانَا، إِنَّا أَتَيْنَاكَ فِي أَمْرٍ، لَمْ نَأْتِكَ فِي مَثَلِهِ قَطُّ، وَنَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ. حَتَّى حَرَّكوه، وَالْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، أَرْحَمُ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ يَا بَنيّ؟ قَالُوا: أَلَسْتَ قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ مِنَّا إِلَيْكَ، وَمَا كَانَ مِنَّا إِلَى أَخِينَا يُوسُفَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالُوا: أَوَ لَسْتُمَا قَدْ عَفَوتما؟ قَالَا بَلَى. قَالُوا: فَإِنَّ عَفْوَكُمَا لَا يُغْنِي عَنَّا شَيْئًا، إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنَّا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُونَ يَا بَنِيَّ؟ قَالُوا: نُريدُ أَنْ تدعوَ اللَّهَ لَنَا، فَإِذَا جَاءَكَ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ قَدْ عَفَا عَمَّا صَنَعْنَا قَرَّتْ أَعْيُنُنَا، وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُنَا، وَإِلَّا فَلَا قُرّة عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا أَبَدًا لَنَا. قَالَ: فَقَامَ الشَّيْخُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَامَ يُوسُفُ خَلْفَ أَبِيهِ، وَقَامُوا خَلْفَهُمَا أذلَّة خَاشِعِينَ. قَالَ: فَدَعَا وأمَّن يُوسُفُ، فَلَمْ يُجبْ فِيهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً -قَالَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ (٦) يُخِيفُهُمْ -قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَأْسُ الْعِشْرِينَ نَزَلَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى يَعْقُوبَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَعْوَتَكَ فِي وَلَدِكَ، وَأَنَّهُ قد عفا عما

(١) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٢) المسند (٥/٤٢٧).
(٣) رواه مسلم في صحيح برقم (١٥٧/٥٤) من حديث أبي هريرة بلفظ "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في هـ، ت، أ: "شمله بعينه" والمثبت من الطبري".
(٦) في ت: المزى".


الصفحة التالية
Icon