﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ أَيْ: فِي النَّارِ لَيْسَ لَهُ شَرَابٌ إِلَّا مِنْ حَمِيمٍ أَوْ غَسَّاقٍ، فَهَذَا (١) فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَرْدِ وَالنَّتَنِ، كَمَا قَالَ: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٧، ٥٨].
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّدِيدُ: مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يُسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الصَّدِيدُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْكَافِرِ، قَدْ خَالَطَ الْقَيْحَ وَالدَّمَ.
وَمِنْ حَدِيثِ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ" (٢) وَفِي رِوَايَةٍ: "عُصَارة أَهْلِ النَّارِ" (٣).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرْ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ قَالَ: "يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى (٤) ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ١٥]، وَيَقُولُ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ (٥) [الْكَهْفِ: ٢٩].
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ (٦) وَرَوَاهُ هُوَ وابن أبي حاتم: من حديث بَقِيَّة ابن الْوَلِيدِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ أَيْ: يَتَغَصَّصُهُ وَيَتَكَرَّهُهُ، أَيْ: يَشْرَبُهُ قَهْرًا وَقَسْرًا، لَا يَضَعُهُ فِي فِيهِ (٨) حَتَّى يَضْرِبَهُ الْمَلَكُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾ [الْحَجِّ: ٢١].
﴿وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ أَيْ: يَزْدَرِدُهُ لِسُوءِ لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ، وَحَرَارَتِهِ أَوْ بَرْدِهِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ.
﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أَيْ: يَأْلَمُ لَهُ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَجَوَارِحِهِ وَأَعْضَائِهِ.
قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: مِنْ كُلِّ عَظْمٍ، وَعِرْقٍ، وَعَصَبٍ.
وَقَالَ عكرمة: حتى من أطراف شعره.
(٢) رواه أحمد في المسند (٦/٤٦٠).
(٣) وهي رواية أبي ذر، رضي الله عنه، رواها أحمد في المسند (٥/١٧١).
(٤) في أ: "عز وجل".
(٥) المسند (٥/٢٦٥).
(٦) تفسير الطبري (١٦/٥٤٩) ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٥٨٣) من طريق عبد الله بن المبارك به، وقال: "هذا حديث غريب، وهكذا قال محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر، ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلا في هذا الحديث".
(٧) ورواه الطبري في تفسيره (١٦/٥٥١) من طريق حيوة بن شريح عن بقية به.
(٨) في ت: "لا يضعه في فمه" وفي أ: "لا يضيعه في فمه".