قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعَزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي".
ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (١)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا رِشْدِين -هُوَ ابْنُ سَعْدٍ -حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعْدٍ التُّجيبي، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ فَضَالة بْنِ عُبَيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْعَبْدُ آمِنٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا استغفر الله، عز وجل" (٢)
(١) المسند (٣/٢٩) والمستدرك (٤/٢٦١) وهذا سياق الحاكم. وأما سياق أحمد في المسند من طريق ابن لهيعة عن دراج به.
(٢) المسند (٦/٢٠).
(٢) المسند (٦/٢٠).
﴿وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِأَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يُوقِعْ ذَلِكَ بِهِمْ لِبَرَكَةِ مَقَامِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهُمْ، أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فقُتل صَنَادِيدُهُمْ وَأُسِرَتْ سُراتهم. وَأَرْشَدَهُمْ تَعَالَى إِلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ، الَّتِي هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهَا مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ.
قَالَ قَتَادَةُ والسُّدِّي وَغَيْرُهُمَا: لَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَمَا عُذِّبُوا.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، فَلَوْلَا مَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، لَأُوقِعَ بِهِمُ الْبَأْسُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وَلَكِنْ دُفِعَ عَنْهُمْ بِسَبَبِ أُولَئِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الْفَتْحِ: ٢٥].
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيد، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ قَالَ: وَكَانَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١) الَّذِينَ بَقُوا فِيهَا يَسْتَغْفِرُونَ -يَعْنِي بِمَكَّةَ-فَلَمَّا خَرَجُوا، أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾ قَالَ: فَأَذِنَ اللَّهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ.
ورُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مَالِكٍ وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ نَحْوُ هَذَا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صُدُورَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُمْ أنفسهم.
(١) في د، ك، م: "المسلمين".