وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي هَذَا حَدِيثًا غَرِيبًا مُطَوَّلًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (١) أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّكْرِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْحَبَطِيُّ -وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ حَزْمٍ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ -حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِمَلَكِ الْمَوْتِ: انْطَلِقْ إِلَى وَلِيِّي فَأْتِنِي بِهِ، فَإِنِّي قَدْ ضَربته بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَوَجَدْتُهُ حَيْثُ أُحِبُّ. ائْتِنِي بِهِ فَلأريحنَّه (٢).
فَيَنْطَلِقُ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ وَمَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَعَهُمْ أَكْفَانٌ وحَنُوط مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَعَهُمْ ضَبَائِرُ الرَّيْحَانِ، أَصِلُ الرَّيْحَانَةِ وَاحِدٌ وَفِي رَأْسِهَا عِشْرُونَ لَوْنًا، لِكُلِّ لَوْنٍ مِنْهَا رِيحٌ سِوَى رِيحِ صَاحِبِهِ، وَمَعَهُمُ الْحَرِيرُ الْأَبْيَضُ فِيهِ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ. فَيَجْلِسُ (٣) مَلَكُ الْمَوْتِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَتَحِفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ. وَيَضَعُ كُلُّ مَلَكٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ ويَبْسط ذَلِكَ الْحَرِيرَ الْأَبْيَضَ وَالْمِسْكَ الأذفَر تَحْتَ ذَقْنِهِ، ويفتَح لَهُ بابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَإِنَّ نَفْسَهُ لَتَعلَّلُ عِنْدَ ذَلِكَ بِطَرَفِ الْجَنَّةِ تَارَةً، وَبِأَزْوَاجِهَا (٤) [مَرَّةً] (٥) ومرَّةً بِكِسْوَاتِهَا وَمَرَّةً بِثِمَارِهَا، كَمَا يُعَلّل الصَّبِيُّ أَهْلَهُ إِذَا بَكَى". قَالَ: "وَإِنَّ أَزْوَاجَهُ لَيَبْتَهِشْنَ عِنْدَ ذَلِكَ ابْتِهَاشًا".
قَالَ: "وَتَنْزُو الرُّوحُ". قَالَ البُرْسَاني: يُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ العَجَل إِلَى مَا تُحِبُّ. قَالَ: "وَيَقُولُ مَلَك الْمَوْتِ: اخْرُجِي يَا أَيَّتُهَا الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ، إِلَى سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ". قَالَ: "ولَمَلَك الْمَوْتِ أَشَدُّ بِهِ لُطْفًا مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ الرُّوحَ حَبِيبٌ لِرَبِّهِ، فَهُوَ يَلْتَمِسُ بِلُطْفِهِ تَحَبُّبًا لَدَيْهِ رِضَاءً لِلرَّبِّ عَنْهُ، فتُسَلُّ رُوحُهُ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ". قَالَ: "وَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النَّحْلِ: ٣٢]، وَقَالَ ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٨٨، ٨٩]، قَالَ: "رَوْحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَوْتِ، وَرَيْحَانٌ يُتَلَقَّى بِهِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ تُقَابِلُهُ". قَالَ: "فَإِذَا قَبض مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ، قَالَتِ الرُّوحُ لِلْجَسَدِ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا، فَقَدْ كُنْتَ سَرِيعًا بِي إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، بَطِيئًا بِي عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَقَدْ نَجَيْتَ وَأَنْجَيْتَ". قَالَ: "وَيَقُولُ الْجَسَدُ لِلرُّوحِ مِثْلَ ذَلِكَ".
قَالَ: "وَتَبْكِي (٦) عَلَيْهِ بِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يُطِيعُ اللَّهَ فِيهَا، وَكُلُّ بَابٍ مِنَ السَّمَاءِ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ. وَيَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً".
قَالَ: "فَإِذَا قَبَض مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ، أَقَامَتِ الْخَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ جَسَدِهِ، فَلَا يَقْلُبُهُ (٧) بَنُو آدَمَ لِشِقٍّ إِلَّا قَلَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَهُمْ، وَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ بِأَكْفَانٍ قَبْلَ أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط
(٢) في ت، أ: "فلأريحه".
(٣) في أ: "قال:. فيجلس".
(٤) في ت، أ: "مرة بأزواجها".
(٥) زيادة من ت، أ.
(٦) في ت: "ويبكي".
(٧) في ت، أ: "فلا تقلبه".