وخُلقت الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وخُلق بَنُو آدَمَ مِمَّا وصِف لَكُمْ" (١) وَمَقْصُودُ الْآيَةِ: التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَطِيبِ عُنْصُرِهِ، وَطَهَارَةِ مَحْتده (٢)
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) ﴾
(١) صحيح مسلم برقم (٢٩٩٦) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
(٢) في ت: "محقده".
(٢) في ت: "محقده".
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) ﴾
يَذْكُرُ تَعَالَى تَنْوِيهَهُ بِذِكْرِ آدَمَ فِي مَلَائِكَتِهِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَهُ، وَتَشْرِيفَهُ إِيَّاهُ بِأَمْرِهِ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ. وَيَذْكُرُ تَخَلُّفَ إِبْلِيسَ عَدُوِّهُ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ، حَسَدًا وَكُفْرًا، وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، وَافْتِخَارًا بِالْبَاطِلِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٢] وَقَوْلُهُ: (١) ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٦٢]
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَثَرًا غَرِيبًا عَجِيبًا، مِنْ حَدِيثِ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ قَالَ: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ (٢) فَاسْجُدُوا لَهُ. قَالُوا: لَا نَفْعَلُ. فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ مَلَائِكَةً فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، [فَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ. فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ. ثُمَّ خَلَقَ مَلَائِكَةً أُخْرَى فَقَالَ: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ فَأَبَوْا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ. ثُمَّ خَلَقَ مَلَائِكَةً فَقَالَ: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ] (٣) قَالُوا (٤) سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ الْأَوَّلِينَ (٥)
وَفِي ثُبُوتِ هَذَا عَنْهُ بُعْدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) ﴾
يَقُولُ آمِرًا لِإِبْلِيسَ أَمْرًا كَوْنِيًّا لَا يُخَالَفُ وَلَا يُمَانَعُ، بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَإِنَّهُ ﴿رَجِيمٌ﴾ أَيْ: مَرْجُومٌ. وَإِنَّهُ قَدْ أَتْبَعَهُ لَعْنَةً لَا تَزَالُ مُتَّصِلَةً بِهِ، لَاحِقَةً لَهُ، مُتَوَاتِرَةً عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، تَغَيَّرَتْ صُورَتُهُ عَنْ صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ، ورن رنةً،
(١) في ت، أ: "وقال في الآية الأخرى".
(٢) في ت، أ: "خلقته".
(٣) زيادة من ت، أ، والطبري.
(٤) في ت: "فقالوا".
(٥) تفسير الطبري (١٤/٢٢).
(٢) في ت، أ: "خلقته".
(٣) زيادة من ت، أ، والطبري.
(٤) في ت: "فقالوا".
(٥) تفسير الطبري (١٤/٢٢).