ذِكْرَ مَا عَدَاهُ إِذَا اشْتَرَكَا فِي تِلْكَ الصِّفَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أَيِ: اسْتَغْنَ بِمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالزَّهْرَةِ الْفَانِيَةِ.
وَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ ابْنُ عُيَيْنَة إِلَى تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يتغَنَّ بِالْقُرْآنِ" (١) إِلَى أَنَّهُ يُستغنى بِهِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ وَكِيع بْنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ضيف (٢) وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ (٣) يُصْلِحُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ: أَسْلِفْنِي دَقِيقًا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ. قَالَ: لَا إِلَّا بِرَهْن. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَأَخْبَرْتُهُ] (٤) فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَأَمِينُ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَلَئِنْ أَسْلَفَنِي أَوْ بَاعَنِي لِأُؤَدِّيَنَّ إِلَيْهِ". فَلَمَّا خَرَجْتُ من عنده نزلت هذه الآية: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهَرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. [طه: ١٣١] كَأَنَّهُ (٥) يُعَزِّيهِ عَنِ الدُّنْيَا (٦)
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ قَالَ: نُهِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَمَنَّى مَالَ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ هَمُ الْأَغْنِيَاءُ.
﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنزلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) ﴾

(١) وانظر فيما تقدم في فضائل القرآن، باب: من لم يتغن بالقرآن.
(٢) في ت: "ضيفا" وهو الصواب".
(٣) في ت، أ: "أمرا".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت: "كما".
(٦) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١/٣٣١) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عبيدة به نحوه، وقال العراقي: "إسناده ضعيف" وذلك لأجل موسى بن عبيدة الربذي.

﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) ﴾
يَأْمُرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَنْ (١) يَقُولَ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ ﴿النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ الْبَيِّنُ النِّذَارَةِ، نَذِيرٌ لِلنَّاسِ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ كَمَا حَلَّ بِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِرُسُلِهَا، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالِانْتِقَامِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿الْمُقْتَسِمِينَ﴾ أَيِ: الْمُتَحَالِفِينَ، أَيْ: تَحَالَفُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَكْذِيبِهِمْ وَأَذَاهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ أَنَّهُمْ: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النَّمْلِ: ٤٦] أَيْ: نَقْتُلُهُمْ لَيْلًا قَالَ مُجَاهِدٌ: تَقَاسَمُوا: تَحَالَفُوا.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النَّحْلِ: ٣٨] ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٤] ﴿أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٤٩] فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُكَذِّبُونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ، فَسُمُّوا مقتسمين.
(١) في ت، أ: "بأن".


الصفحة التالية
Icon