خَيْرِ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانُوا عَلَى السُّنَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، كَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَنِي عَلِيٍّ: الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ -وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ-وَجَعْفَرٍ ابْنِهِ، وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ، مِمَّنْ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ وَصِرَاطِهِ المستقيم، وعرف لكل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَنَزَلَ كُلٌّ الْمَنْزِلَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قُلُوبُ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّ (١) الرُّسُلَ الْمَاضِينَ (٢) قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا بَشَرًا كَمَا هُوَ بَشَرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٩٣، ٩٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٢٠] وَقَالَ ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ] ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨، ٩]، (٣) وَقَالَ: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الْأَحْقَافِ: ٩]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الْكَهْفِ: ١١٠].
ثُمَّ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الرُّسُلِ كَانُوا بَشَرًا، إِلَى سُؤَالِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ (٤) الَّذِينَ سَلَفُوا: هَلْ كَانَ أَنْبِيَاؤُهُمْ بَشَرًا أَوْ مَلَائِكَةً؟
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُمْ ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أَيْ: بِالدَّلَالَاتِ وَالْحُجَجِ، ﴿وَالزُّبُرِ﴾ وَهِيَ الْكُتُبُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَالزُّبُرُ: جَمْعُ زَبُورٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ إِذَا كَتَبْتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٢] وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٥].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ﴾ مِنْ رَبِّهِمْ، أَيْ: لِعِلْمِكَ (٥) بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، وَحِرْصِكَ عَلَيْهِ، وَاتِّبَاعِكَ لَهُ، وَلِعِلْمِنَا بِأَنَّكَ (٦) أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، فَتُفَصِّلَ (٧) لَهُمْ مَا أُجْمِلَ، وَتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا أُشْكِلَ: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أَيْ: يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَهْتَدُونَ، فَيَفُوزُونَ (٨) بِالنَّجَاةِ فِي الدارين.
(٢) في أ: "الماضية".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف، أ: "بشر أن يسألوا أهل الذكر عن الأنبياء".
(٥) في ت: "يعلمك".
(٦) ف أ: "بأنه".
(٧) في أ: "تفصل".
(٨) في ت، ف: "فيفوزوا".