وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (١) بْنِ مُسَرِّحٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (٢) بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مسْلَمة (٣) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعة بْنِ رِبْعي، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهُ، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمُرِ بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ، يَرْزُقُهَا اللَّهُ الْعَبْدَ فَيَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ" (٤).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الْبَنَاتِ وَمِنَ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ هُمْ [مِنْ] (٥) عَبِيدِهِ، وَهُمْ يَأْنَفُونَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ شَرِيكٌ لَهُ فِي مَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ فِي دَعْوَاهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ ثمَّ مَعَادٍ فَفِيهِ أَيْضًا لَهُمُ الْحُسْنَى، وَإِخْبَارٌ عَنْ قِيلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نزعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ [هُودٍ: ٩، ١٠]، وَكَقَوْلِهِ (٦) :﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فُصِّلَتْ: ٥٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ (٧) بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا [أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا] ﴾ [مَرْيَمَ: ٧٧، ٧٨] (٨) وَقَالَ إِخْبَارًا عَنْ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: أَنَّهُ ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ (٩) مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الْكَهْفِ: ٣٥، ٣٦]-فَجَمَعَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ عَمَلِ السُّوءِ وَتَمَنِّي الْبَاطِلَ، بِأَنْ يُجَازَوْا عَلَى ذَلِكَ حُسْنًا وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ وُجد حَجَرٌ فِي أَسَاسِ الْكَعْبَةِ حِينَ نَقَضُوهَا لِيُجَدِّدُوهَا مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ حِكَم وَمَوَاعِظُ، فَمِنْ (١٠) ذَلِكَ: تَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ (١١) وَيُجْزَوْنَ الْحَسَنَاتِ؟ أَجَلْ كَمَا يُجْتَنَى (١٢) مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبُ (١٣).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ أَيِ (١٤) الْغِلْمَانَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِمْ فِي تَمَنِّيهِمْ [ذَلِكَ] (١٥) ﴿لَا جَرَمَ﴾ أَيْ: حَقًّا لَا بُدَّ مِنْهُ ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّارَ﴾ أي: يوم القيامة، ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾

(١) في ت: "الوليد بن عبد الله بن عبد الله".
(٢) في ت: "سفيان".
(٣) في ت، ف، أ: "سلمة".
(٤) ورواه ابن عدي في الكامل (٣/٢٨٥) من طريق الوليد بن عبد الملك به نحوه، وفيه سليمان بن عطاء مجمع على ضعفه.
(٥) زيادة من "ت".
(٦) في أ: "وقال".
(٧) في ت: "الذين كفروا" وهو خطأ.
(٨) زيادة من ف، أ.
(٩) في ت، ف، أ: "فقال".
(١٠) في ت: "في".
(١١) في ف: "السوء"
(١٢) في ف، أ: "يجني".
(١٣) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/١٩٦).
(١٤) في أ: "إلي".
(١٥) زيادة من ت، ف، أ.


الصفحة التالية
Icon