وَهَذَا أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ (١) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢) يَتَصَرَّفُ فِي الْخُمُسِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ بِمَا شَاءَ، وَيَرُدُّهُ فِي أُمَّتِهِ كَيْفَ شَاءَ -وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْأَعْرَجِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ: أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِعُبَادَةَ: يَا عُبَادَةُ، كَلِمَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فِي شَأْنِ الْأَخْمَاسِ؟ فَقَالَ عُبَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوَةٍ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ (٣) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَ وَبَرة بَيْنَ أُنْمُلَتَيْهِ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي فِيهَا إِلَّا نَصِيبِي مَعَكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، وَأَكْبَرَ (٤) مِنْ ذَلِكَ وَأَصْغَرَ، وَلَا تَغُلُّوا، فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَجَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ (٥) الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَجَاهِدُوا فِي [سَبِيلِ] (٦) اللَّهِ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ [عَظِيمٌ] (٧) يُنَجِّي بِهِ اللَّهُ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ" (٨)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَلَكِنْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ (٩) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ فِي قِصَّةِ الْخُمُسِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْغُلُولِ (١٠)
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً (١١) مِنْ ذَلِكَ الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ: "وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلَ هَذِهِ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (١٢)
وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَغَانِمِ (١٣) شَيْءٌ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ فَرَسًا أَوْ سَيْفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا (١٤)
(٢) في أ: "صلوات الله وسلامه عليه".
(٣) في أ: "قال".
(٤) في أ: "وأكثر".
(٥) في م: "في سبيل الله".
(٦) زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.
(٧) زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.
(٨) المسند (٥/٣١٦).
(٩) في أ: "أن".
(١٠) المسند (٢/١٨٤) وسنن أبي داود برقم (٢٦٩٤).
(١١) في د: "أخذ منه وبرة".
(١٢) سنن أبي داود برقم (٢٧٥٥).
(١٣) في د، ك، م: "الغنيمة".
(١٤) في أ: "ذو".