يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ (١) واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْيَتَامَى﴾ أَيْ: يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ، أَوْ يَعُمُّ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَ ﴿الْمَسَاكِينِ﴾ هُمُ الْمَحَاوِيجُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّ خَلَّتَهُمْ وَمَسْكَنَتَهُمْ.
﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ هُوَ الْمُسَافِرُ، أَوِ الْمُرِيدُ لِلسَّفَرِ، إِلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سُورَةِ "بَرَاءَةَ"، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ أَي: امْتَثِلُوا مَا شَرَعْنَا لَكُمْ مِنَ الْخُمُسِ فِي الْغَنَائِمِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: أَنَّ رسول الله ﷺ قال لَهُمْ: "وَآمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شهادةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ.." الْحَدِيثَ بِطُولِهِ (٢) فَجَعَلَ أَدَاءَ الْخُمُسِ مِنْ جُمْلَةِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ بوَّب الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي "كِتَابِ الْإِيمَانِ" مِنْ صَحِيحِهِ فَقَالَ: (بَابُ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْإِيمَانِ)، ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (٣)
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ﴿وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ أَيْ: فِي الْقِسْمَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يُنَبِّهُ تَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ (٤) وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا فَرَق بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِبَدْرٍ وَيُسَمَّى "الْفُرْقَانَ"؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَى فِيهِ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ عَلَى كَلِمَةِ الْبَاطِلِ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ وَنَصَرَ نَبِيَّهُ وَحِزْبَهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ والعَوْفِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ يَوْمُ بَدْرٍ، فَرَق اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، ومِقْسَم وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، ومُقَاتل بْنُ حَيَّانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ يوم
(٢) صحيح البخاري برقم (٥٣) وصحيح مسلم برقم (١٧).
(٣) وانظر كلام الحافظ ابن حجر في: فتح الباري (١/١٢٩ - ١٣٥).
(٤) في أ: "نعمه".