وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلَائِلِ"، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الحُنَيْن، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَذَكَرَ بِسَنَدِهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِهِ: "ولُطّ دُونِي -أَوْ قَالَ: دُونَ الْحِجَابِ-رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ". ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا (١) رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَرَوَاهُ حَمَّادُ (٢) بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَهُ (٣) جِبْرِيلُ، فَنَكَتَ فِي ظَهْرِهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَةِ وَفِيهَا مِثْلُ وَكْري الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْآخَرِ، فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتِ (٤) الْأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ لَنِلْتُهَا، فَدُلِّيَ بِسَبَبٍ وَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْس، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي. فَأَوْحَى إِلَيَّ: نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا؟ وَإِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فأومَأ (٥) إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ: أَنْ تَوَاضَعْ. قَالَ: قُلْتُ: لَا. بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا (٦).
قُلْتُ: وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا وَاقِعَةٌ غَيْرُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَلَا الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ، فَهِيَ كَائِنَةٌ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، هَذَا غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا أَمَرَّت ذَنَبَهَا، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: مَهْ يَا بُرَاقُ، فَوَاللَّهِ إِنْ رَكِبَكَ (٧) مِثْلُهُ. وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ خَلْقٌ مِنَ الْخَلْقِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْدُدِ السَّلَامَ يَا مُحَمَّدُ. فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالْخَمْرَ وَاللَّبَنَ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَلَغَوَتْ (٨) أُمَّتُكَ. ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فأمَّهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي (٩) رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، فَذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْكَ فَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ (١٠)، وفي بعض ألفاظه نكارة
(٢) في ت: "ابن حماد" وهو خطأ.
(٣) في ف، أ: "فجاء".
(٤) في ت: "بلغنا".
(٥) في أ: "فأوحى".
(٦) دلائل النبوة للبيهقي (٢/٣٦٩).
(٧) في ت، أ: "فواللله ما ركبك".
(٨) في ف: "وغويت".
(٩) في ت، أ: "الذي".
(١٠) تفسير الطبري (١٥/٥)، ودلائل النبوة للبيهقي (٢/٣٦٢).