إِلَيْهِ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا، فَقِيلَ لِلرَّسُولِ: إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوا فَإِنْ كَفَرُوا عَذَّبْتُهُمْ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ عَلَيْهِمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَالَ: "بَلْ تَفْتَحُ عَلَيْهِمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ" كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثَيِ (١) ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَيْضًا، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٥٩] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٧ -١١].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ الْيَنْبُوعُ: الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ، سَأَلُوهُ أَنْ يُجْرِيَ لَهُمْ عَيْنًا مَعِينًا فِي أَرْضِ الْحِجَازِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَذَلِكَ (٢) سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهُ وَلَأَجَابَهُمْ إِلَى جَمِيعِ مَا سَأَلُوا وَطَلَبُوا، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ [يُونُسَ: ٩٦، ٩٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١١١].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ﴾ أَيْ: أَنَّكَ وَعَدْتَنَا أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْشَقُّ فِيهِ السَّمَاءُ وَتَهِي، وَتَدَلَّى أَطْرَافُهَا، فَعَجِّلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَسْقِطْهَا كِسَفًا [أَيْ: قِطَعًا، كَقَوْلِهِمْ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْفَالِ: ٣٢]، وَكَذَلِكَ سَأَلَ قَوْمُ شُعَيْبٍ مِنْهُ فَقَالُوا: ﴿أَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا] (٣) مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٨٧]. فَعَاقَبَهُمُ الرَّبُّ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ، إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. وَأَمَّا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، فَسَأَلَ إِنْظَارَهُمْ وَتَأْجِيلَهُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ وَقَعَ، فَإِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذُكِرُوا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ (٤) حَتَّى "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ" الَّذِي تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ، أَسْلَمَ إِسْلَامًا تَامًّا، وَأَنَابَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: هُوَ الذَّهَبُ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ"، ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ﴾ أَيْ: تَصْعَدُ (٥) فِي سُلَّمٍ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْكَ ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مَكْتُوبٌ فِيهِ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ صَحِيفَةٌ: هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، تصبح موضوعة عند رأسه (٦).

(١) في ف: "حديث".
(٢) في ت، ف: "وهذا".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في ف: "وحسن إسلامه بعد ذلك".
(٥) في ت: "يصعد".
(٦) في ف: "يصبح عند رأسه موضوع".


الصفحة التالية
Icon