اللَّهُ إِيَّاهُ. فَإِذَا فِيهِ آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، يَجْرِي (١) عَلَى رَصْرَاض مِنَ الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، مَاؤُهُ، (٢) أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ" قَالَ: "فَأَخَذْتُ مِنْهُ آنِيَةً (٣) مِنَ الذَّهَبِ، فَاغْتَرَفْتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَرِبْتُ، فَإِذَا هُوَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَشَدُّ (٤) رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. ثُمَّ انْطُلِقَ بِي حَتَّى انْتَهَيْتُ (٥) إِلَى الشَّجَرَةِ، فَغَشِيَتْنِي سَحَابَةٌ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، فَرَفَضَنِي جِبْرِيلُ، وَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ اللَّهُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ". قَالَ: "ثُمَّ انْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَةُ وَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيلُ، فَانْصَرَفْتُ سَرِيعًا فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: فَرَضَ رَبِّي عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَلَنْ تَسْتَطِيعَهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتُكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكَ. فَرَجَعْتُ سَرِيعًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الشَّجَرَةِ، فَغَشِيَتْنِي السَّحَابَةُ، وَرَفَضَنِي جِبْرِيلُ وَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَقُلْتُ: رَبِّ، إِنَّكَ فَرَضْتَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، وَلَنْ أَسْتَطِيعَهَا أَنَا وَلَا أُمَّتِي، فَخَفِّفْ عَنَّا. قَالَ: قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ عَشْرًا. قَالَ: ثُمَّ انْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَةُ، وَأَخَذَ (٦) بِيَدِي جِبْرِيلُ وَانْصَرَفْتُ (٧) سَرِيعًا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: وَضَعَ رَبِّي عَنِّي عَشْرًا فَقَالَ: أَرْبَعُونَ صَلَاةً! لَنْ تَسْتَطِيعَهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتُكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَلِكَ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَخَمْسٍ بِخَمْسِينَ ثُمَّ أَمَرَهُ (٨) مُوسَى أَنْ يَرْجِعَ فَيَسْأَلَ التَّخْفِيفَ، فَقُلْتُ: "إِنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ تَعَالَى".
قَالَ: ثُمَّ انْحَدَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: "مَا لِي لَمْ آتِ عَلَى (٩) سَمَاءٍ إِلَّا رَحَّبُوا بِي وَضَحِكُوا إِلَيَّ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَرَحَّبَ بِي وَلَمْ يَضْحَكْ إِلَيَّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ذَاكَ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ خُلِقَ (١٠) وَلَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَدٍ لَضَحِكِ إِلَيْكَ".
قَالَ: ثُمَّ رَكِبَ مُنْصَرِفًا، فَبَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِ مَرَّ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ طَعَامًا، مِنْهَا جَمَلٌ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ: غِرَارَةٌ سَوْدَاءُ، وَغِرَارَةٌ بَيْضَاءُ، فَلَمَّا حَاذَى بِالْعِيرِ نَفَرَتْ مِنْهُ وَاسْتَدَارَتْ، وَصُرِعَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ وَانْكَسَرَ.
ثُمَّ إِنَّهُ مَضَى فَأَصْبَحَ، فَأَخْبَرَ عَمَّا كَانَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَهُ أَتَوْا أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ؟ يُخْبِرُ (١١) أَنَّهُ أَتَى فِي لَيْلَتِهِ هَذِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، ثُمَّ رَجَعَ فِي لَيْلَتِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ قَالَهُ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنَّا لِنُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا، نُصَدِّقُهُ عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا عَلَامَةُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "مَرَرْتُ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ، وَهِيَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَنَفَرَتِ الْعِيرُ (١٢) مِنَّا وَاسْتَدَارَتْ، [وَفِيهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ] (١٣) غِرَارَتَانِ: غِرَارَةٌ سَوْدَاءُ، وَغِرَارَةٌ بَيْضَاءُ، فَصُرِعَ فَانْكَسَرَ".
فَلَمَّا قَدِمَتِ الْعِيرُ سَأَلُوهُمْ، فَأَخْبَرُوهُمُ الْخَبَرَ عَلَى مِثْلِ مَا حَدَّثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١٤) وَمِنْ (١٥) ذَلِكَ سُمِّيَ أبو (١٦) بكر الصديق.
(٢) قي ف، أ: "وماؤه".
(٣) في ف، أ: "من آنيته".
(٤) في ت: "وألد".
(٥) في ت، ف، أ: "انتهى".
(٦) في ت: "فأخذ".
(٧) في ت، ف، أ: "فانصرفت".
(٨) في ت: "أمر".
(٩) في أ: "أهل".
(١٠) في ت: "خلقت".
(١١) في ت: "يزعم".
(١٢) في ف: "الإبل".
(١٣) زيادة من ف، أ، وفي ت: "جمل عليه".
(١٤) في ف: "رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(١٥) في ف، أ: "وفي".
(١٦) في ف: "أبا".