عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ ﴿حَمِئَةٍ﴾ (١)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "وَجَدَهَا تَغْرُبَ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ" يَعْنِي: حَارَّةً. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَيَّهُمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ (٢).
قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِمَا، إِذْ قَدْ تَكُونُ حَارَّةً لِمُجَاوَرَتِهَا وَهْج الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَمُلَاقَاتِهَا الشُّعَاعِ بِلَا حَائِلٍ وَ ﴿حَمِئَةٍ﴾ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَسْوَدَ، كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا (٣) الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ غَابَتْ، فَقَالَ: "فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ [فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ] (٤)، لَوْلَا مَا يَزَعُهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، لَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ".
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ (٥). وَفِي صِحَّةِ رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ زَامِلَتَيْهِ اللَّتَيْنِ وَجَدَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ-حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَاضِرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ "تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ مَا نَقْرَؤُهَا (٦) إِلَّا ﴿حَمِئَةٍ﴾ فَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ تَقْرَؤُهَا: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَمَا قَرَأَتْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: فِي بَيْتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ؟ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ؟ [فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: سَلْ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ بِهَا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ] (٧) فِي مَاءٍ وَطِينٍ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ. قَالَ ابْنُ حَاضِرٍ: لَوْ أَنِّي عِنْدَكُمَا أَفَدْتُكَ (٨) بِكَلَامٍ تَزْدَادُ فِيهِ بَصِيرَةً فِي حَمِئَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِذًا مَا هُوَ؟ قُلْتُ: فِيمَا يُؤْثَرُ مِنْ قَوْلِ تُبَّع، فِيمَا ذَكَرَ بِهِ ذَا الْقَرْنَيْنِ فِي تَخَلُّقِهِ بِالْعِلْمِ وَاتِّبَاعِهِ إِيَّاهُ:
بَلَغَ المشَارقَ والمغَارِبَ يَبْتَغِي أسْبَابَ أمْرٍ مِنْ (٩) حَكِيمٍ مُرْشِد

فَرَأى مَغِيبَ (١٠) الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبها فِي عَيْنِ ذِي خُلب وَثأط (١١) حَرْمَدِ (١٢) (١٣)
قَالَ (١٤) ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا الخُلَب؟ قُلْتُ: الطِّينُ بِكَلَامِهِمْ. [يَعْنِي بِكَلَامِ حِمْيَرَ] (١٥). قَالَ: مَا الثَّاطُ؟
(١) مسند الطيالسى برقم (٥٣٦).
(٢) في ت: "المصيب".
(٣) في ت: "حدثنا".
(٤) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٥) المسند (٢/٢٠٧).
(٦) في ت: "تقرأها".
(٧) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٨) في أ: "لأفدتك".
(٩) في ت: "من أمر".
(١٠) في ت أ: "فوجد مغاب". وفي ف: "فرأى مغاب".
(١١) في أ: "وأناط".
(١٢) في ت: "وقاص"، وفي ف: "وناط".
(١٣) البيتان في لسان العرب، مادة (ثأط) وهما لأمية بن أبي الصلت.
(١٤) في ف: "فقال".
(١٥) زيادة من ت، ف.


الصفحة التالية
Icon