تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ" (١) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: "نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" (٢) وَعَلَى (٣) هَذَا فَتَعَيَّنَ حَمْلُ قَوْلِهِ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي﴾ عَلَى مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ [النَّمْلِ: ١٦] أَيْ: فِي النُّبُوَّةِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ لَمَا خَصَّهُ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ بِذَلِكَ، وَلَمَا كَانَ فِي الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَقِرِّ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ أَبَاهُ، فَلَوْلَا أَنَّهَا وِرَاثَةٌ خَاصَّةٌ لَمَا أَخْبَرَ بِهَا، وَكُلُّ هَذَا يُقَرِّرُهُ وَيُثْبِتُهُ (٤) مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: "نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ".
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [قَالَ] (٥) : كَانَ وِرَاثَتُهُ عِلْمًا وَكَانَ زَكَرِيَّا مِنْ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: [قَدْ] (٦) يَكُونُ نَبِيًّا كَمَا كَانَتْ آبَاؤُهُ أَنْبِيَاءَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: يَرِثُ نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ.
وَقَالَ السُّدِّي: يَرِثُ نُبُوَّتِي وَنُبُوَّةَ آلِ يَعْقُوبَ.
وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: نُبُوَّتَهُمْ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ نُوحٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صالح في قَوْلِهِ: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: يَرِثُ مَالِي، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا (٧) مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (٨) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّا، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةٍ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" (٩)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُبَارَكٍ -هُوَ (١٠) ابْنُ فَضَالَةَ -عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ أَخِي زَكَرِيَّا، مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مَالِهِ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ (١١)
(٢) لم أجده في سنن الترمذي المطبوع بهذا اللفظ، وانظر كلام الحافظ ابن حجر عن هذه الرواية والوجوه التي تحمل عليها في الفتح (١٢/٨).
(٣) في ف: "فعلى".
(٤) في أ: "ونبينه".
(٥) زيادة من ف.
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ت: "حدثنا".
(٨) في ف، أ: "أن النبي".
(٩) تفسير عبد الرزاق (٢/٥) وقد وصل طرفه الثاني: "يرحم اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شديد".
الإمام أحمد في مسنده (٢/٣٥٠) من طريق الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(١٠) في ف: "وهو".
(١١) تفسير الطبري (١٦/٣٧).