وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ وَأَيَّامِهَا ﴿إِلا رَمْزًا﴾ أَيْ: إِشَارَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ أَيِ: الَّذِي بُشِّرَ فِيهِ بِالْوَلَدِ، ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أَيْ: أَشَارَ إِشَارَةً خَفِيَّةً سَرِيعَةً: ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أَيْ: مُوَافَقَةً لَهُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِهِ، وَشُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَاهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أَيْ: أَشَارَ. وَبِهِ قَالَ وَهْبٌ، وقَتَادَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أَيْ: كَتَبَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، كَذَا قَالَ السدي.
﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) ﴾.
وَهَذَا أَيْضًا تَضَمَّنَ (١) مَحْذُوفًا، تَقْدِيرُهُ: أَنَّهُ وَجَدَ هَذَا الْغُلَامَ الْمُبَشَّرَ بِهِ، وَهُوَ يَحْيَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ الْكِتَابَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ الَّتِي كَانُوا يَتَدَارَسُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَيَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ. وَقَدْ كَانَ سِنُّهُ إِذْ ذَاكَ صَغِيرًا، فَلِهَذَا نَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَبِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ، فَقَالَ: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ: تَعَلَّمِ الْكِتَابَ ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ: بِجِدٍّ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ أَيِ: الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ وَالْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَالْإِقْبَالَ عَلَى الْخَيْرِ، وَالْإِكْبَابَ عَلَيْهِ، وَالِاجْتِهَادَ فِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ حَدَثُ [السِّنِّ] (٢).
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الصِّبْيَانُ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا: اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبْ. قَالَ: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ (٣)، قَالَ: فَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ يَقُولُ: وَرَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ وَزَادَ: لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُنَا. وَزَادَ قَتَادَةُ: رُحِم بِهَا زَكَرِيَّا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ وَتَعَطُّفًا مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [قَالَ: مَحَبَّةً عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَّا الْحَنَانُ فَالْمَحَبَّةُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ ] (٤)، قَالَ: تعظيمًا من لدنا (٥).
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ف، أ: "خلقنا".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في أ: "الدنيا".