رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَبَّارًا عَصِيًّا﴾، قَالَ: كَانَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ يَذْكُرُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَا ذَنْبٍ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا". قَالَ قَتَادَةُ: مَا أَذْنَبَ وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ، مُرْسَلٌ (١)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (٢) :"كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا" (٣) ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، أَخْبَرَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ همَّ بِخَطِيئَةٍ، لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" (٤)
وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ لَهُ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ حسن قَالَ: إِنَّ يَحْيَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، الْتَقَيَا، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي فَأَنْتَ (٥) خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، سَلَّمتُ عَلَى نَفْسِي، وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَعرُف وَاللَّهِ فَضْلُهُمَا.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١) ﴾.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ أَوْجَدَ مِنْهُ، فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعُقْمِ زَوْجَتِهِ، وَلَدًا زَكِيًّا طَاهِرًا مُبَارَكًا -عَطَفَ بِذِكْرِ قِصَّةِ مَرْيَمَ فِي إِيجَادِهِ وَلَدَهَا عِيسَى، عَلَيْهِمَا (٦) السَّلَامُ، مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَإِنَّ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مُنَاسَبَةً وَمُشَابَهَةً (٧) ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي آلِ عِمْرَانَ وَهَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، يُقْرِنُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ لِتَقَارُبِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى، لِيَدُلَّ عِبَادَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ وعظمة سلطانه، وأنه على ما يشاء

(١) تفسير عبد الرزاق (٢/٧).
(٢) في ت: "أنه قال".
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٤٤) والحاكم في المستدرك (٢/٣٧٣) من طريق محمد بن إسحاق به، وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يخرجاه" ووفقه الذهبي، ورجح أبو حاتم وقفه، وقال لابنه: "لا يرفعون هذا الحديث".
(٤) المسند (١/٢٥٤).
(٥) في أ: "أنت".
(٦) في ف، أ: "عليه".
(٧) في أ: "ومتشابهة".


الصفحة التالية
Icon