قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالَ: "فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ عِشَاءً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَإِذَا أَنَا بِكَهَيْئَةِ خَيَالٍ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ (١) فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ أَدْنَى فِي شَبَهِهِ بِدَوَابِّكُمْ هَذِهِ، بِغَالِكُمْ هَذِهِ، مُضْطَرِبِ (٢) الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ. وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْكَبُهُ قَبْلِي، يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مَدِّ بَصَرِهِ، فَرَكِبْتُهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَمِينِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ، [فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَسَارِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ] (٣)، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا، وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا. حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُهَا بِهَا. فَأَتَانِي (٤) جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ، وَتَرَكْتُ الْخَمْرَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ (٥) فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ: جِبْرِيلُ: مَا رَأَيْتَ فِي وَجْهِكَ هَذَا؟ " قَالَ: "فَقُلْتُ: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَمِينِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ -أَوْ: وَقَفْتَ عَلَيْهِ-لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ". قَالَ: (٦) : فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ". قَالَ: "فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أُجِبْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا". قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهَا أَوْ أَقَمْتَ عَلَيْهَا، لَاخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ".
قَالَ: "ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ (٧) عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ (٨)، فَلَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، أَمَا رَأَيْتَ الْمَيِّتَ حِينَ يَشُقُّ بَصَرَهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا يَشُقُّ بَصَرَهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ عَجَبُهُ بِالْمِعْرَاجِ". قَالَ: "فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ: لَهُ: إِسْمَاعِيلُ. وَهُوَ صَاحِبُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، مَعَ كُلِّ مَلَكٍ جُنْده مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ". قَالَ: "وَقَالَ: اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (٩) ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: ٣١] فَاسْتَفْتَحَ (١٠) جِبْرِيلُ بَابَ السَّمَاءِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صُورَتِهِ (١١)، هُوَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ، وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ، وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي سجين.

(١) في ت، ف، أ: "المسجد الحرام".
(٢) في ف، أ: "غير أنه مضطرب".
(٣) زيادة من ف، أوالدلائل.
(٤) في ت: "أتاني" وفي ف: "ثم أتاني"
(٥) في ف، أ: "أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غوت أمتك".
(٦) في ف: "قلت".
(٧) في ت: "يعرج".
(٨) في أ: "الأنبياء".
(٩) زيادة من: ف، أ.
(١٠) في ف، أ: "قال: فاستفتح".
(١١) في أ: "على صورته لم يتغير منه شيء".


الصفحة التالية
Icon