﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ أَيْ: لَا تُطِعْهُ (١) فِي عِبَادَتِكَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ، فَإِنَّهُ هُوَ الدَّاعِي إِلَى ذَلِكَ، وَالرَّاضِي بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠] وَقَالَ: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ [النِّسَاءِ: ١١٧]
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ أَيْ: مُخَالِفًا مُسْتَكْبِرًا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، فَطَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ، فَلَا تَتْبَعْهُ تَصِرْ مِثْلَهُ.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ أَيْ: عَلَى شِرْكِكَ وَعِصْيَانِكَ لِمَا آمُرُكَ بِهِ، ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ (٢) يَعْنِي: فَلَا يَكُونُ لَكَ مَوْلًى وَلَا نَاصِرًا وَلَا مُغِيثًا إِلَّا إِبْلِيسُ، وَلَيْسَ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلِ اتِّبَاعُكَ لَهُ مُوجِبٌ لِإِحَاطَةِ الْعَذَابِ بِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النَّحْلِ: ٦٣].
﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَوَابِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ [لِوَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ] (٣) فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ يَعْنِي: [إِنْ كُنْتَ لَا] (٤) تُرِيدُ عِبَادَتَهَا وَلَا تَرْضَاهَا، فَانْتَهِ عَنْ سَبِّهَا وَشَتْمِهَا وَعَيْبِهَا، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَنْتَهِ عَنْ ذَلِكَ اقتصصتُ مِنْكَ وَشَتَمْتُكَ وَسَبَبْتُكَ، وَهُوَ (٥) قَوْلُهُ: ﴿لأرْجُمَنَّكَ﴾، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ : قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: يَعْنِي دَهْرًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: زَمَانًا طَوِيلًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قَالَ: أَبَدًا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قَالَ: سَوِيًّا سَالِمًا، قَبْلَ أَنْ تُصِيبَكَ مِنِّي عُقُوبَةٌ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ الجَدَلي وَ [أَبُو] (٦) مَالِكٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
فَعِنْدَهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الْفَرْقَانِ: ٦٣] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥].

(١) في أ: "لا تطيعه" وهو خطأ، والصواب ما بالأصل.
(٢) في ت: "فيكون".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) زيادة من ف، أ، وفي هـ: "أما".
(٥) في أ: "وهي".
(٦) زيادة من ف، أ.


الصفحة التالية
Icon