أَرْبَعِينَ. فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَرَبِّي (١) كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ [عَزَّ وَجَلَّ] (٢) فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] (٣) فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ، خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ. فَوَضَعَ عَنِّي خَمْسًا، وَجَعَلَهَا خَمْسًا. فَنَادَانِي مَلَكٌ عِنْدَهَا: تَمَّمْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَعْطَيْتُهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا.
ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّهُ لَا يؤوده شَيْءٌ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". "فَقُلْتُ (٤) : رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُهُ" ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِالْأَعَاجِيبِ: "إِنِّي أَتَيْتُ الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا (٥) ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ -يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ-: أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا. وَأَحَدُنَا يَضْرِبُ مَطِيَّتَهُ مُصْعَدَةً شَهْرًا، وَمُقْفَلَةً شَهْرًا، فَهَذَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ! قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ: "لَمَّا كُنْتُ (٦) فِي مَصْعَدِي رَأَيْتُهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهَا نَفَرَتْ، فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُهَا عِنْدَ الْعَقَبَةِ". وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ رَجُلٍ وَبَعِيرِهِ كَذَا وَكَذَا، وَمَتَاعِهِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخْبِرُنَا (٧) بِأَشْيَاءَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ؟ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ؟ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ؟ [فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ. فَجَاءَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أنا أعلم الناس ببيت الْمَقْدِسِ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ بِنَاؤُهُ؟ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ؟ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ] (٨). قَالَ: فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إِلَى بَيْتِهِ: بِنَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا، وَهَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَقُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْآخَرُ: صَدَقْتَ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ فِيمَا قَالَ أَوْ نَحْوَ هَذَا (٩) الْكَلَامِ (١٠).
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ بِطُولِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، بِهِ. وَرَوَاهُ، أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، بِهِ نَحْوَ سِيَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ (١١).
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَذَكَرَهُ (١٢) بِسِيَاقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ أَنِيقٍ، أَجْوَدَ مِمَّا سَاقَهُ غَيْرُهُ، عَلَى غَرَابَتِهِ وما فيه من النكارة.
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من: ت.
(٤) في ف، أ: "قال: فقلت".
(٥) في ف، أ: "ورأيت كذا ورأيت كذا".
(٦) في ت، ف، أ: "كانت".
(٧) من ف، أ: "تخبرنا".
(٨) زيادة من ف، أ، والدلائل.
(٩) في ت: "أو نحوه من هذا".
(١٠) دلائل النبوة (٢/٣٩٠).
(١١) تفسير الطبري (١٥/١٠).
(١٢) في ف، أ: "فذكر".