وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فِي سُورَةِ "الْكَهْفِ".
﴿خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ أَيْ: جَزَاءً ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ أَيْ: عَاقِبَةً وَمَرَدًّا عَلَى صَاحِبِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا فَحَطَّ وَرَقَهُ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ قَوْلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، تَحُطُّ الْخَطَايَا كَمَا تَحُطُّ وَرَقَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ (١)، خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ (٢) مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ" قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: لَأُهَلِّلَنَّ اللَّهَ، وَلَأُكَبِّرَنَّ اللَّهَ، وَلَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا رَآنِي الْجَاهِلُ حَسِبَ أَنِّي مَجْنُونٌ (٣)
وَهَذَا ظَاهِرُهُ (٤) أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا وَقَعَ فِي سُنَنِ ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ عُمر (٥) بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فذكر نحوه (٦)

(١) في أ: "كما يحط ورق هذا الشجر الريح".
(٢) في أ: "وهو".
(٣) تفسير عد الرزاق (٢/١٢).
(٤) في أ: "وهذا ظاهر".
(٥) في ت: "عمرو".
(٦) سنن ابن ماجه برقم (٣٨١٣) وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٩٤) :"هذا إسناد ضعيف".

﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨) كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (٨٠) ﴾.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ (١) [فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢) حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جِئْتَنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَعْطَيْتُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾.
أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمَا، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ (٣)، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ قَالَ: مَوْثِقًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ خَبَّاب
(١) في ت: "محمد".
(٢) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٣) المسند (٤/١١١) وصحيح البخاري برقم (٢٠٩١)، (٤٧٣٤، ٤٧٣٥) وصحيح مسلم برقم (٢٧٩٥).


الصفحة التالية
Icon