يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ خَافُوهُ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا (١) وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ وَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ، وَأَطَاعُوهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا عَنْهُ زَجَرُوهُمْ: أَنَّهُ (٢) يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفْدًا إِلَيْهِ. وَالْوَفْدُ: هُمُ الْقَادِمُونَ رُكْبَانًا، وَمِنْهُ الْوُفُودُ وَرُكُوبُهُمْ عَلَى نَجَائِبَ مِنْ نُورٍ، مِنْ مَرَاكِبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُمْ قَادِمُونَ عَلَى خَيْرِ مَوْفُودٍ إِلَيْهِ، إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ وَرِضْوَانِهِ. وَأَمَّا الْمُجْرِمُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ الْمُخَالِفُونَ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُسَاقُونَ عُنْفًا إِلَى النَّارِ، ﴿وِرْدًا﴾ عِطَاشًا، قَالَهُ [عَطَاءٌ] (٣)، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَهَاهُنَا يُقَالُ: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٧٣].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَالِدٍ (٤)، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنِ ابْنِ مَرْزُوقٍ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ أَحْسَنُ صُورَةٍ رَآهَا، وَأَطْيَبُهَا رِيحًا، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ طَيَّبَ رِيحَكَ وَحَسَّنَ وَجْهَكَ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، وَهَكَذَا كُنْتَ فِي الدُّنْيَا، حَسَنَ الْعَمَلِ طَيِّبَهُ، فَطَالَمَا رَكِبْتُكَ فِي الدُّنْيَا، فَهَلُمَّ ارْكَبْنِي، فَيَرْكَبُهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قَالَ: رُكْبَانًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ (٥)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قَالَ: عَلَى الْإِبِلِ.
وَقَالَ ابْنُ جُريج: عَلَى النَّجَائِبِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَلَى الْإِبِلِ النُّوقِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يُحْشَرُونَ، وَلَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَكِنْ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ (٦) الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رَحَائِلُ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ (٧).
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيِّ، بِهِ. وَزَادَ: "عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ" وَالْبَاقِي مِثْلُهُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا مَرْفُوعًا، عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ البَجَلي،
(٢) في أ: "أن".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف: "أبو خالد".
(٥) في أ: "سعيد".
(٦) في ف، أ: "لم تر".
(٧) زوائد المسند (١/١٥٥) وتفسير الطبري (١٦/٩٦).