قُلْتُ: وَقَدْ خَلَطَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي شَيْءٍ، وَحَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ. وَقَدْ يُحْتَمل أَنَّهُ تَعَمَّد ذَلِكَ، أَوْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ أَيْ: أَنْزَلَ هذا القرآن الذي خلق [الأرض والسموات العلى، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي] (١) السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الْفَرْقَانِ: ٦].
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قَالَ: السِّرُّ مَا أَسَرَّ ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ، ﴿وَأَخْفَى﴾ : مَا أَخْفَى عَلَى ابْنِ آدَمَ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ فَاللَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَعلْمه فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا بَقِيَ عِلْم وَاحِدٌ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٨].
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قَالَ: السِّرُّ: مَا تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ، وَأَخْفَى: مَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ بَعْدُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْتَ تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ الْيَوْمَ، وَلَا تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ غَدًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ الْيَوْمَ، وَمَا تُسِرُّ غَدًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَخْفَى﴾ يَعْنِي: الْوَسْوَسَةَ.
وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿وَأَخْفَى﴾ أَيْ: مَا هُوَ عَامِلُهُ مِمَّا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [أَيِ: الَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَيْكَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ذو الأسماء الحسنى] (٢) والصفات العلى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ "الْأَعْرَافِ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠) ﴾
مِنْ هَاهُنَا شَرَعَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٣) وَكَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَيْهِ وَتَكْلِيمُهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا قَضَى مُوسَى الأجَل الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صهْره فِي رِعَايَةِ الْغَنَمِ وَسَارَ بِأَهْلِهِ قِيلَ: قَاصِدًا بِلَادَ مِصْرَ بَعْدَمَا طَالَتِ الْغَيْبَةُ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ، فَأَضَلَّ الطَّرِيقَ، وَكَانَتْ لَيْلَةً شَاتِيَةً، وَنَزَلَ مَنْزِلًا بَيْنَ شِعَابٍ وَجِبَالٍ، فِي بَرْدٍ وَشِتَاءٍ، وسحاب وظلام

(١) زيادة من ف.
(٢) زيادة من ف.
(٣) زيادة من ف.


الصفحة التالية
Icon