جُبَيْرٍ، فَقَالَتْ لَهُمْ: أَقِرُّوهُ، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لَا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى آتِيَ فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبَهُ مِنْهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ.
فَأَتَتْ فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ [الْقَصَصِ: ٩] فَقَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ، فَأَمَّا لِي فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي يُحْلَف بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ (١) كَمَا أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ، لَهَدَاهُ اللَّهُ كَمَا هَدَاهَا، وَلَكِنْ (٢) حَرَمَهُ ذَلِكَ". فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا، إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ لِتَخْتَارَ لَهُ ظِئْرًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لِتُرْضِعَهُ لَمْ يُقْبِلْ عَلَى ثَدْيِهَا حَتَّى أَشْفَقَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ، فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ وَمَجْمَعِ النَّاسِ، تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا تَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهًا، فَقَالَتْ لِأُخْتِهِ: قُصِّي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ، هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا، أَحَيٌّ ابْنِي أَمْ قَدْ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ؟ وَنَسِيَتْ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا فِيهِ، فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ -والجُنُب: أَنْ يَسْمُوَ بَصَرُ الْإِنْسَانِ إِلَى شَيْءٍ بَعِيدٍ (٣) وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ (٤) وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ -فَقَالَتْ مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أَعْيَاهُمُ الظُّؤُرات: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: مَا يُدْرِيكِ؟ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ؟ هَلْ يَعْرِفُونَهُ (٥) ؟ حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا بْنَ جُبَيْرٍ. فَقَالَتْ: نُصْحُهُمْ (٦) لَهُ وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ رَغْبَتُهُمْ فِي ظُؤْرَةِ الْمَلِكِ، وَرَجَاءُ مَنْفَعَةِ الْمَلِكِ. فَأَرْسَلُوهَا فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا (٧) فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ. فَجَاءَتْ أُمُّهُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نَزَا إِلَى ثَدْيِهَا فمصَّه، حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ رِيًّا، وَانْطَلَقَ الْبُشَرَاءُ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُونَهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لِابْنِكِ ظِئْرًا. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا. فَأَتَتْ بِهَا وَبِهِ فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا قَالَتِ: امْكُثِي تُرْضِعِي ابْنِي هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ شَيْئًا حُبَّهُ قَطُّ. قَالَتْ أُمُّ مُوسَى: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي فَيَضِيعَ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِيَنِيهِ فَأَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَيْتِي، فَيَكُونَ مَعِي لَا آلُوهُ خَيْرًا [فَعَلْتُ، وَإِلَّا] (٨) فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي. وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا فِيهِ، فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ (٩) فَرَجَعَتْ بِهِ إِلَى بَيْتِهَا مِنْ يَوْمِهَا، [وَأَنْبَتَهُ] (١٠) اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا وَحَفِظَهُ (١١) لِمَا قَدْ قَضَى فِيهِ.
فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ، مُمْتَنِعِينَ مِنَ السُّخْرَةِ وَالظُّلْمِ مَا كَانَ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِأُمِّ مُوسَى: أَتُرِينِي (١٢) ابْنِي؟ فَوَعَدَتْها يَوْمًا (١٣) تُرِيهَا إِيَّاهُ فِيهِ، وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِخُزَّانِهَا وظُؤُرها وَقَهَارَمَتِهَا: لَا يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا اسْتَقْبَلَ ابْنِي الْيَوْمَ بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لِأَرَى ذَلِكَ (١٤) وَأَنَا بَاعِثَةٌ أَمِينًا يُحْصِي (١٥) مَا يَصْنَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ، فَلَمْ تَزَلِ الهدايا والنحل

(١) في ف، أ: "أن يكون له قرة عين".
(٢) في أ: "ولكن الله حرمه".
(٣) في ف، أ: "الشيء البعيد".
(٤) في ف، أ: "ناحية".
(٥) في ف، أ: "تعرفونه".
(٦) في ف، أ: "نصيحتهم".
(٧) في ف، أ: "أمه".
(٨) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٩) في ف، أ: "موعوده".
(١٠) في ف: "فأنبته".
(١١) في أ: "حفظ"
(١٢) في أ: "تريني".
(١٣) في أ: "يوما أن".
(١٤) في أ: "ذلك فيه".
(١٥) في ف: "يحصي كل".


الصفحة التالية
Icon