عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ هَارُونَ مَرَّ بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَنْحِتُ الْعِجْلَ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: أَصْنَعُ مَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ فَقَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ وَمَضَى هَارُونُ، فَقَالَ (١) السَّامِرِيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ يَخُور فَخَار، فَكَانَ إِذَا خَارَ سَجَدُوا لَهُ، وَإِذَا خَارَ رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ.
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ وَقَالَ: [أَعْمَلُ] (٢) مَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي.
فَقَالُوا -أَيِ: الضُّلال مِنْهُمُ، الَّذِينَ افْتُتِنُوا بِالْعِجْلِ وَعَبَدُوهُ -: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ أَيْ: نَسِيَهُ هَاهُنَا، وَذَهَبَ يَتَطَلَّبُهُ. كَذَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ "الْفُتُونِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ سِماك عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَنَسِيَ﴾ أَيْ: نَسِيَ أَنْ يُذَكِّرَكُمْ أَنَّ هَذَا إِلَهُكُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالُوا: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾ قَالَ: فَعَكَفُوا عَلَيْهِ وَأَحَبُّوهُ حُبًّا لَمْ يُحِبُّوا شَيْئًا قَطُّ يَعْنِي مِثْلَهُ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَنَسِيَ﴾ أَيْ: تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي: السَّامِرِيَّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيعًا لَهُمْ، وَبَيَانًا لِفَضِيحَتِهِمْ وَسَخَافَةِ عُقُولِهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ: ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا﴾ أَيِ: الْعَجَلُ ﴿أَفَلا يَرَوْنَ﴾ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُمْ إِذَا سَأَلُوهُ، وَلَا إِذَا خَاطَبُوهُ، ﴿وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا﴾ أَيْ: فِي دُنْيَاهُمْ وَلَا فِي أُخْرَاهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٣) لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ خُوَارُهُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ الريح في دبره فيخرج فِيهِ، فَيُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُتُونِ الْحَدِيثِ (٤) عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ هَذَا الْعَجَلَ اسْمُهُ بَهْمُوتُ.
وَحَاصِلُ مَا اعْتَذَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ أَنَّهُمْ تَوَرَّعُوا عَنْ زِينَةِ الْقِبْطِ، فَأَلْقَوْهَا عَنْهُمْ، وَعَبَدُوا الْعِجْلَ. فَتَوَرَّعُوا عَنِ الْحَقِيرِ وَفَعَلُوا الْأَمْرَ الْكَبِيرَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ -يَعْنِي: هَلْ يُصَلِّي فِيهِ أَمْ لَا؟ -فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (٥) انْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعني: الحسين -وهم يسألون عن دم البعوض؟ (٦).

(١) في ف: "وقال".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ف، أ: "عنهما".
(٤) في ف، أ: "حديث الفتون".
(٥) في ف، أ: "عنهما".
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٩٩٤).


الصفحة التالية
Icon