وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً﴾ : هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ الْهَامِدَةَ، وَهِيَ القحلَة الَّتِي لَا نَبْتَ فِيهَا وَلَا شَيْءَ (١).
وَقَالَ قَتَادَةُ: غَبْرَاءُ مُتَهَشِّمَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَيْتَةٌ.
﴿فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أَيْ: فَإِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْمَطَرَ ﴿اهْتَزَّتْ﴾ أَيْ: تَحَرَّكَتْ وَحَيِيَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا، ﴿وَرَبَتْ﴾ أَيِ: ارْتَفَعَتْ لَمَّا سَكَنَ فِيهَا الثَّرَى، ثُمَّ أَنْبَتَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْفُنُونِ، مِنْ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ، وَأَشْتَاتِ النَّبَاتَاتِ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا، وَرَوَائِحِهَا وَأَشْكَالِهَا وَمَنَافِعِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أَيْ: حَسَنِ الْمَنْظَرِ طَيِّبِ الرِّيحِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ أَيِ: الْخَالِقُ الْمُدَبِّرُ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ، ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [أَيْ: كَمَا أَحْيَا الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ وَأَنْبَتَ مِنْهَا هَذِهِ الْأَنْوَاعَ؛ ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ ] (٢)، ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٩] فَـ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢].
﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ أَيْ: كَائِنَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا مِرْيَةَ، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ أَيْ: يُعِيدُهُمْ بَعْدَ مَا صَارُوا فِي قُبُورِهِمْ رِمَمًا، وَيُوجِدُهُمْ بَعْدَ الْعَدَمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس: ٧٨ -٨٠] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ (٣).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهز (٤)، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَنْبَأَنَا يَعْلَى عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُس (٥)، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزين الْعُقَيْلِيِّ -وَاسْمُهُ لَقِيط بْنُ عَامِرٍ (٦) -أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُلُّنَا يَرَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَنْظُرُ إِلَى الْقَمَرِ مُخْليا بِهِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَاللَّهُ أَعْظَمُ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: "أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي أَهْلِكَ مَحْلًا (٧) " قَالَ: بَلَى. قَالَ: "ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ ". قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَذَلِكَ آيَتُهُ فِي خَلْقِهِ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ (٨).
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ أَبِي رَزين العُقَيْلي قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: "أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ من أرضك مُجْدبةً، ثم مررت بها
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ت: "لكثيرة".
(٤) في ت: "يزيد".
(٥) في ت: "عدس"، وفي ف، أ: "عدي".
(٦) في ت: "ليث بن أبي عامر".
(٧) في أ: "ممحلا".
(٨) المسند (٤/١١) وسنن أبي داود برقم (٤٧٣١) وسنن ابن ماجه برقم (١٨٠).