وَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ ضَمَّنَ الْفِعْلَ هَاهُنَا مَعْنَى "يَهُمّ"، وَلِهَذَا (١) عَدَّاهُ بِالْبَاءِ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ أَيْ: يَهُمّ فِيهِ بِأَمْرٍ فَظِيعٍ مِنَ الْمَعَاصِي الْكِبَارِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿بِظُلْمٍ﴾ أَيْ: عَامِدًا قَاصِدًا أَنَّهُ ظُلْمٌ لَيْسَ بِمُتَأَوِّلٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ (٢)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ [التَّعَمُّدُ] (٣).
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿بِظُلْمٍ﴾ بِشِرْكٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ يُعْبَدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿بِظُلْمٍ﴾ هُوَ أَنْ تَستحلَ مِنَ الْحَرَمِ مَا حَرّم اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ لِسَانٍ أَوْ قَتْلٍ، فَتَظْلِمَ مَنْ لَا يَظْلِمُكَ، وَتَقْتُلَ مَنْ لَا يَقْتُلُكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ [لَهُ] (٤) الْعَذَابُ الْأَلِيمُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿بِظُلْمٍ﴾ : يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا سَيِّئًا.
وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْحَرَمِ أَنَّهُ يعاقَب الْبَادِي فِيهِ الشَّرَّ، إِذَا كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّي: أَنَّهُ سَمِعَ مُرَّة يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَرَادَ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ، وَهُوَ بعَدَن أبينَ، أَذَاقَهُ (٥) اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ رَفَعَهُ لَنَا، وَأَنَا لَا أَرْفَعُهُ لَكُمْ. قَالَ يَزِيدُ: هُوَ قَدْ رَفَعَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ (٦).
[قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ] (٧) صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ؛ وَلِهَذَا صَمم شُعْبَةُ عَلَى وَقْفه مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسْبَاطٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيُّ، عَنْ مُرَّة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَهُمُّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بعَدَن أبينَ هَمّ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا بِهَذَا الْبَيْتِ، لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزاحم.
وَقَالَ سُفْيَانُ [الثَّوْرِيُّ] (٨)، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ "إِلْحَادٌ فِيهِ"، لَا وَاللَّهِ، وَبِلَى وَاللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، مثله.

(١) في ف: "ولذا".
(٢) في ت: "جرير".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت، ف، أ: "لأذاقه".
(٦) المسند (١/٤٢٨)
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) زيادة من ف.


الصفحة التالية
Icon